وأقول: يقابل هذه الآثار آثار أخرى عن عمر والشعبي وإبراهيم، عند ابن أبي شيبة (2 / 223)، وعبد الرزاق (3 / 81 - 82): أنه ليس له ذلك إذا كان بينه وبين الإمام طريق ونحوه. ولعل ما في الآثار الأولى محمول على العذر، كامتلاء المسجد كما قال هشام بن عروة:
" جئت أنا وأبي مرة، فوجدنا المسجد قد امتلأ، فصلينا بصلاة الإمام في دار عند المسجد بينهما طريق ".
رواه عبد الرزاق (3 / 82) بسند صحيح عنه.
وليس بخاف على الفقيه أن إطلاق القول بالجواز ينافي الأحاديث الآمرة بوصل الصفوف وسد الفرج، فلا بد من التزامها والعمل بها إلا لعذر، ولهذا قال شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى " (23 / 410):
" ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد، ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له. قال: فإن امتلأ المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد، فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم. وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء. وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف، ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة، فإنه لا تصح صلاتهم في الأظهر، وكذلك من صلى في حانوته والطريق خال لم تصح صلاته، وليس له أن يقعد في الحانوت وينتظر اتصال الصفوف به، بل عليه أن يذهب إلى المسجد، فيسد الأول فالأول فالأول ".