ومن (الأغسال المستحبة) قوله تحت رقم 1 -: " وقد ذهب جماعة من العلماء إلى القول بوجوب الغسل للجمعة... ".
قلت: وهو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، لأن الأحاديث الدالة عليه أقوى إسنادا وأصرح في الدلالة من الأحاديث التي استدل بها المخالفون على الاستحباب، فانظر مثلا استدلالهم بحديث عمر المذكور في الكتاب، فإنه لا حجة لهم فيه، بل هو عليهم، لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع الحافل على مثل ذلك الصحابي الجليل، وتقرير جميع الحاضرين من الصحابة وغيرهم لما وقع من ذلك الإنكار، لهو من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوما عند الصحابة، ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب لما عول ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره، فأي تقرير من عمر ومن حضر بعد هذا الإنكار؟!
وكذلك استدلالهم بحديث أبي هريرة: " من توضأ فأحسن الوضوء... "، فقد أجاب عنه الحافظ نفسه بقوله في " الفتح ":
" ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ: " من اغتسل "، فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء ".
وجملة القول أن الأحاديث المصرحة بوجوب غسل الجمعة فيها حكم زائد على الأحاديث المفيدة لاستحبابه فلا تعارض بينها، والواجب الأخذ بما تضمن الزيادة منها. وراجع تفصيل هذا البحث في " نيل الأوطار " للشوكاني، و " المحلى " لابن حزم.