يساري معتقدا أنها يميني، أو قال: زعمت أن قطعها يسقط القود عن يميني، لم يخل المقتص من أن يكون جاهلا بأنه قطع اليسار أو عالما، فإن كان جاهلا فلا قود عليه، لأنه قطعها معتقدا أنه يستوفي حقه، فكان شبهة، ولأنه قطعها ببذل مالكها فلا قود. وقال قوم: لا دية عليه أيضا، لأنه قطعها ببذل صاحبها والصحيح أن عليه ديتها، لأنه بذلها عن يمينه، فكان البذل على سبيل المعاوضة فإذا لم يصح كان على القابض الرد، وإذا عدمت كان عليه رد بدلها. وإن كان المقتص عالما بأنها يساره فقطعها، فهذا القطع مضمون، لأن الباذل إنما بذله عوضا، فلم يسلم له، فكان على القابض الضمان. فقال قوم: أنه مضمون بالقود، لأنه قطع يد غيره بغير حق مع العلم بالتحريم. وقال آخرون وهو الصحيح: أنه لا قصاص عليه، لأنه قد بذلها للقطع، فكان شبهة في سقوط القود عنه (1).
وإذا ثبت أن قطعه اليسار مضمون، فحقه من القصاص باق له في يمين الجاني، لأن يساره لم يصر بدلا عن يمينه.
ثم قال: هذا إذا اتفقا من غير خلاف، فأما إن قطع يساره ثم اختلفا، فقال الباذل: بذلتها لتكون بدلا عن يميني فلي ديتها، وقال القاطع المقتص: بل بذلتها مع العلم بأنها لا تكون بدلا عن يمينك فهدرت فالقول قول الباذل، لأن الاختلاف في نيته وإرادته، وهو أعلم بها.
فإن حلف ثبت أنه بذلها على سبيل العوض، فيكون الحكم على ما مضى يعني من ضمان الدية. فإن نكل رددنا اليمين على المقتص يحلف ما بذلها إلا وهو يعلم أنها لا يكون بدلا عن اليمين، فإذا حلف كانت هدرا، وبقي له القصاص في يمينه.
هذا إذا اختلفا، فأما إن اتفقا على قطعها باليمين. وتراضيا به لم تكن بدلا عن يمينه، لأن ما لا يقع قصاصا عن الشئ لم يقع قصاصا عنه بالتراضي، كما لو قتل عبده عبدا لرجل، فقال له السيد: اقتلني بعبدك، أو اقتل عبدي الآخر بعبدك، ففعل،