قال ابن إدريس: إنه خلاف الإجماع وضد ما يقتضيه أصول مذهبنا، لأن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها يحتاج إلى دليل، والإجماع حاصل على أن الأولياء وبيت المال لا تعقل إلا قتل الخطأ المحض، فأما الخطأ شبيه العمد فعندنا بغير خلاف بيننا لا تعقله العاقلة، ولا تحمله، بل يجب الدية على القاتل نفسه، فمن قال: بموته أو هربه تصير على غيره، يحتاج إلى دليل قاهر، ولا يرجع في ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا (1).
قلت: ولم نظفر بخبر يفيد الانتقال إلى العاقلة أو بيت المال بمجرد الهرب، ويمكن تأويل كلامهم بإرادتهم الهرب وعدم الظفر به حتى يموت. وتوقف المحقق في النكت في لزومها العاقلة مع الموت وتعذر الاستيفاء من التركة وجواز أخذها من بيت المال قال: لأنه مجعول للمصالح، وحسم المنازعة في الدماء من أهم المصالح (2).
(وإن كان شبيه عمد ففي ماله) الدية (أيضا) عندنا. وللعامة قول بأنها على العاقلة (3) وهو قول للحلبي (4). (وإن كان خطأ فالدية على العاقلة) بالنصوص (5) والإجماع إلا من الأصم والخوارج. وسميت عاقلة، لعقلها الإبل التي هي الدية بفناء ولي الدم، أو لعقلها أي منعها القاتل من القتل أي من شأنهم ذلك أو منعها منه، أو لعقلهم عنه أي تحملهم العقل وهو الدية عنه.
(وهنا فصلان):
الفصل (الأول في جهة العقل) (وهي اثنان):
(الأول: القرابة وإنما يعقل منها العصبة خاصة) كما هو المشهور، ودل