في حديث أنس عند مسلم ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم وقيل إن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس شك إبراهيم ولم يشك نبينا فبلغه ذلك فقال نحن أحق بالشك من إبراهيم وأراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيا قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي ومقصوده لا تقل ذلك وقيل أراد بقوله نحن أمته الذين يجوز عليهم الشك واخراجه هو منه بدلالة العصمة وقيل معناه هذا الذي ترون أنه شك انا أولى به لأنه ليس بشك انما هو طلب لمزيد البيان وحكى بعض علماء العربية ان أفعل ربما جاءت لنفي المعنى عن الشيئين نحو قوله تعالى أهم خير أم قوم تبع اي لا خير في الفريقين ونحو قول القائل الشيطان خير من فلان اي لا خير فيهما فعلى هذا فمعنى قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم لا شك عندنا جميعا وقال ابن عطية ترجم الطبري في تفسيره فقال وقال آخرون شك إبراهيم في القدرة وذكر أثر ابن عباس وعطاء قال ابن عطية ومحمل قول ابن عباس عندي انها أرجى آية لما فيها من الا دلال على الله وسؤال الاحياء في الدنيا أو لان الايمان يكفي فيه الاجمال ولا يحتاج إلى تنقير وبحث قال ومحمل قول عطاء دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس اي من طلب المعاينة قال وأما الحديث فمبني على نفي الشك والمراد بالشك فيه الخواطر التي لا تثبت وأما الشك المصطلح وهو التوقف بين الامرين من غير مزية لأحدهما على الآخر فهو منفي عن الخليل قطعا لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الايمان في قلبه فكيف بمن بلغ رتبة النبوة قال وأيضا فان السؤال لما وقع بكيف دل على حال شئ موجود مقرر عند السائل والمسؤول كما تقول كيف علم فلان فكيف في الآية سؤال عن هيئة الاحياء لا عن نفس الاحياء فإنه ثابت مقرر وقال ابن الجوزي انما صار أحق من إبراهيم لما عانى من تكذيب قومه ودرهم عليه وتعجبهم من أمر البعث فقال أنا أحق ان أسأل ما سأل إبراهيم لعظيم ما جرى لي مع قومي المنكرين لاحياء الموتى ولمعرفتي بتفضيل الله لي ولكن لا أسأل في ذلك (قوله قال أو لم تؤمن) الاستفهام للتقرير ووجهه أنه طلب الكيفية وهو مشعر بالتصديق بالاحياء (قوله بلى ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب لان تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وكأنه قال أنا مصدق ولكن للعيان لطيف معنى وقال عياض لم يشك إبراهيم بأن الله يحيى الموتى ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الاحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين وان لم يكن في الأول شك لان العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين والله أعلم (قوله ويرحم الله لوطا الخ) يأتي الكلام عليه قريبا في ترجمة لوط (قوله ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي) أي لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلب البراءة فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وانما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعا والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالا وقيل هو من جنس قوله لا تفضلوني على يونس وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع وسيأتي تكملة لهذا الحديث في قصة يوسف (قوله باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد) تقدم في أواخر الشهادات سبب تسميته صادق الوعد ثم ذكر المصنف حديث سلمة بن الأكوع ارموا بني إسماعيل وقد تقدم شرحه في باب التحريض على الرمي من كتاب الجهاد
(٢٩٥)