هذا ما عمله معاوية في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الكتابة (يكتب له بعض الرسائل في أشهر قلائل) فلما نال الملك عظمته الأقلام الأموية المستأجرة حتى جعلوه من كتاب الوحي وغيره ومن الملازمين للكتابة، وأسقطوا ذكر سواه حتى أسقط بعض عليا (عليه السلام) من الكتاب، وجعل ابن الأثير إياه (عليه السلام) من كتاب العهود والمصالحات، وسلب عنه كتابة الوحي، مع أنه يعلم أن عليا (عليه السلام) كان يكتب الوحي في مكة ثلاث عشرة سنة، ولم يكن وقتئذ معاوية ولا أبي بن كعب ولا محمد بن مسلمة ولا زيد بن ثابت الذي كان صغيرا عند قدوم الرسول (صلى الله عليه وآله) المدينة ولا عمرو بن العاص ولا المغيرة ولا عبد الله بن الأرقم ولا ثابت بن قيس ولا نظراؤهم.
وكان علي (عليه السلام) يتبع الرسول (صلى الله عليه وآله) اتباع الفصيل أمه (1)، يكتب الوحي وعلوم الرسالة وذخائر النبوة بأمر من النبي (صلى الله عليه وآله) كما سيأتي، وكان عترته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتمسكون بكتبه ويفتخرون بأنها مودعة عندهم، ولا يخفى ذلك على من له أدنى إلمام بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وسيأتي الكلام فيها مفصلا إن شاء الله تعالى.
قال ابن عبد ربه (2) في صناعة الكتابة: " فمن أهل هذه الصناعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكان مع شرفه ونبله وقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكتب الوحي، ثم أفضت إليه الخلافة بعد الكتابة وعثمان بن عفان يكتبان الوحي، فإن غابا كتب أبي بن كعب وزيد بن ثابت، فإن لم يشهد واحد منهما كتب غيرهما ".
ترى ابن عبد ربه يصرح بأن الكاتب للوحي رجلان: علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعثمان بن عفان (حتى في المدينة) فإن غابا فأبي بن كعب، فعلى القراء الكرام قياس الباقي بما ذكرناه.