وحقيقة الأمر كما أشرنا هو أن حرمة الصحابة وتوقيرهم وتعظيمهم أثار في النفوس الضعاف التلاعب بالحقائق، وكذا الحب والبغض والميل إلى السلطات الموجودة والحكومات المتغلبة، وفي ظل ذلك الخوف من إظهار الحقائق، وأين الرجل الصدق يقول الحق المر ولو كان فيه مهانته وطرده و....
ومن أجل هذه الأجواء والأهواء كثر الكذابة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعيد حياته وصح ما أخبر (صلى الله عليه وآله) به بقوله (صلى الله عليه وآله): " ستكثر علي القالة " أو " ستكثر علي الكذابة " (1) فشاع الكذب، وادعى كل لنفسه أو قبيلته أو بلده أو زعماء الأمر وأصحاب السلطة والقدرة المدح والثناء، فانتحلوا لهم الجباية والكتابة وغيرها، وقد يدعي الأذناب لرؤسائهم ما لم يدعوه لأنفسهم، بل ولا خطر على قلوبهم كادعائهم الشجاعة والكتابة للشيخين، فإنهما لم يدعيا ذلك طيلة حياتهما، وإنما انتحله المحب الجاهل الغالي اطراء له وتنحيتا للفضيلة وترفيعا وإكبارا لمقامهما.
والذي يثير الشك حول كون الخلفاء الثلاث وثلة من مساعدي حكومتهم مثل المغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت وخالد بن الوليد ونظرائهم كتابا له (صلى الله عليه وآله) أنه بعد شهادة علي (عليه السلام) وغلبة معاوية جعل الخلفاء الثلاثة والتدين بأفضليتهم محور الايمان والدين إخفاء لما كثر من علي (عليه السلام) ادعاء الخلافة لنفسه ولولده من بعده وإقامة الحجة عليه، وكان يساعده على ذلك الأنصار جميعا وجماعة من المهاجرين، وكثر معتنقو هذه العقيدة في أخريات حياته (عليه السلام) لما أقام وأقاموا من الحجج الواضحة والبراهين الساطعة من الكتاب والسنة، فمن زمن معاوية ومن بعده صار الاعتقاد بتفضيل الخلفاء على علي (عليه السلام) قطب عقائد أهل السنة (2)