وهذا هو العلة الحقيقة لما عمله الخليفتان من إحراق الأحاديث لا ما عللوه به إرضاء للجهلة والمغفلين، وليكن هذا في ذكرك حتى يأتي بيان أوفى وأدق من ذلك.
هناك علة أخرى:
قدمنا الإشارة إلى أن قريشا حاربت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعارضته وقاتلته بكل ما عندها، من حول وطول إلى أن عجزت واستسلمت وأظهرت الإسلام ولم تؤمن قلوبهم إلا القليل منهم، ثم شرعت في المعارضة والمنابذة والمجابهة مع النبي (صلى الله عليه وآله) بنحو دقيق تحت ستر الإسلام من قولهم: " إنه بشر يغضب " و " إن المرء ليهجر حسبنا كتاب الله " وتركهم عملا ما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير، وتغييرهم الأحكام التي بينها النبي (صلى الله عليه وآله) من حكم المتعتين والأذان والتيمم واحدا بعد واحد، واخذوا في العمل بالرأي والقياس وسموا ذلك اجتهادا، وقد استوفى البحث عن ذلك العلامة الأميني رضوان الله عليه في كتابه القيم الغدير والعلامة العسكري في معالم المدرستين والعلامة السيد جعفر في الصحيح من السيرة (1).
فهذا القصد يقتضي إمحاء السنن النبوية ولو بالتدريج أو نقول:
" إن هذا المنع عن الحديث ينسجم مع سياسة وتدبير الحاكم الذي لا يريد أن تكثر الاعتراضات عليه بمخالفة أقواله وأفعاله لأقوال وأفعال الرسول (صلى الله عليه وآله) أو القرآن الكريم... ولأجل ذلك أيضا فقد منعوا عن السؤال عن القرآن وتفسيره حيث لم يكن مجال للمنع عن كتابته وتلاوته و... فإن ذلك يطمئن السلطة إلى أن الأمور التي تهتم بطمسها وإخفائها سواء مما يرتبط ببعض شخصياتها أو يقوي موقف خصومها - هذه الأمور - لن تظهر وستبقى رهن الخفاء والكتمان، ولن يكون