الناس من لا يفقه سر هذه البلاغة، ويماري فيما كتب علماء المعاني والبيان من قواعدها (1).
فالقرآن معجز للبشر على اختلاف نوعه في العلم والفهم والشعور فقد يكون معجزا له في المعارف المحقة والمطالب العقلية، وقد يكون معجزا في الإخبار بالغيب من الماضي والحال الاستقبال، وقد يكون معجزا في التقنين أو بيان المسائل الأخلاقية، وفى ذكر الأمراض الروحية والجسمية، وقد يكون معجزا في بيان حقائق الكون... " وإنما ملاك الإعجاز فيه أمر يستطيع كل أحد أن يدركه وأن يفهمه... وهو أمر تشتمل عليه حتى السورة التي لا تزيد على السطر الواحد كسورة الكوثر مثلا... وهو أمر يجده كل أحد مهما كان تخصصه، ومهما كان مستواه الفكري وأيا كان نوع ثقافته... وفي أي عصر وفي أي ظرف... " (2).
والذي كان في وسع المخاطبين الذين لم يكن عندهم حظ من العلم أبدا، وإنما كانوا في قمة من الفصاحة والبلاغة، ولا يدركون غيرها، ولا يفتخرون إلا بها، ولا يتم الحجة عليهم إلا بإفحامهم بها، فحينئذ لم يكن القرآن الكريم حجة عليهم إلا من هذه الناحية وهو إدراك كونه معجزا في الأسلوب والنظم والفصاحة والبلاغة.
فبعد ذلك كله أي كلام يلتبس بالقرآن ويشبهه ويضاهيه، فهذا التعليل " لا يقتنع به عاقل عالم، ولا يقبله محقق دارس، اللهم إلا إذا جعلنا الأحاديث من جنس القرآن في البلاغة، وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه، وهذا ما لا يقره أحد حتى الذين جاءوا بهذا الرأي، إذ معناه إبطال المعجزة وهدم أصولها من القواعد.
هذا على أن الأحاديث لو كانت قد كتبت فإنما ذلك على أنها أحاديث للنبي (صلى الله عليه وآله) وبين الحديث والقرآن - ولا ريب - فروق كثيرة يعرفها كل من له بصر