العرب المخاطبين بالآيات يومئذ، فالتأريخ لا يرتاب أن العرب العرباء بلغت من البلاغة في الكلام مبلغا لم يذكره التأريخ لواحدة من الأمم المتقدمة والمتأخرة عنهم، ووطأوا موطئا لم تطأه أقدام غيرهم في كمال البيان وجزالة النظم ووفاء اللفظ ورعاية المقام وسهولة المنطق، وقد تحداهم القرآن بكل تحد ممكن مما يثير الحمية، ويوقد نار الأنفة والعصبية، وحالهم في الغرور ببضاعتهم والاستكبار عن الخضوع للغير في صناعتهم مما لا يرتاب فيه، وقد طالت مدة التحدي، وتمادى زمان الاستنهاض، فلم يجيبوه إلا بالتجافي، ولم يزدهم إلا العجز، ولم يكن منهم إلا الاستخفاء والفرار كما قاله تعالى: * (ألا إنهم يثنون صدروهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون) * (1) وقد مضى من القرون والأحقاب ما يبلغ أربعة عشر قرنا، ولم يأت بما يناظره آت، ولم يعارضه أحد بشئ إلا أخزى نفسه وافتضح في أمره " (2).
وبالجملة: " اشتماله على النظم الغريب، والوزن العجيب، والأسلوب المخالف لما استنبطه البلغاء من كلام العرب في مطالعه وفواصله ومقاطعه " من الإعجاز في الأسلوب والنظم و " بلاغته التي تقاصرت عنها بلاغة سائر البلغاء قبله وفي عصر تنزيله وفيما بعده ولم يختلف أحد من أهل البيان في هذا " (3) من الإعجاز في بلاغته " وإنما أورد بعض المخالفين بعض الشبه على كون بلاغة كل سورة من قصار سوره بلغت حد الإعجاز فيه، والقائلون به لا يحصرون إعجاز كل سورة فيه... ومن