وأما ثانيا: فلأنا لو سلمنا أنها من الفروع لم يصح لك التقليد أيضا، لأن التقليد في الفروع إنما يسوغ لمن لم يقدر على الاجتهاد، ولا يتمكن من إقامة الدليل فيسوغ له التقليد حينئذ لعجزه عن الاستدلال لأن التكليف بغير المقدور قبيح، وأما مع قدرة المكلف على الاستدلال وتمكنه منه لا يسوغ له التقليد لا في الأصول ولا في الفروع، بل يجب عليه النظر والاستدلال بالبراهين والأمارات وأنت قادر على الاجتهاد، متمكن من إقامة الدليل، فلا يسوغ لك التقليد بل يجب عليك الاجتهاد والنظر في الأدلة والأمارات، ومع ذلك فقد قام لك الدليل على بطلان خلافة هؤلاء الثلاثة فيجب عليك المصير إليه لأنه لم يعرض لك ما ينقضه أو يعارضه فكيف يسوغ لك التقليد بعد قيام الدليل ومعرفتك به وعدم حصول ما ينقضه أو يعارضه فكيف تتركه وترجع إلى التقليد.
وهذا شئ لم يقله أحد، ولم يسوغه عالم مع أني أقول: إن كنت من المقلدين فلم رجحت تقليد هؤلاء المشائخ دون غيرهم من أمثالهم، فإن في مذهبنا من العلماء والمصنفين والمدرسين مثل ما ذكرت وأزيد، كالإمام المحقق نصير الدين الطوسي الذي سمي في المعقول المحقق، وسمي فخر الدين بالمشكك، وكذلك السيد مرتضى الموسوي الذي أفحم كل من ناظره وألزمه في جميع العلوم، والشيخ المفيد محمد بن النعمان البغدادي الذي سمي به لكثرة استفادة الخلق من علومه، والشيخ أبو الفضائل الطبرسي الذي أحيا علوم القرآن في جميع البلدان، والشيخ أبو جعفر الطوسي الذي اشتهر عند العامة والخاصة، والشيخ جمال الدين الحلي الذي سارت مصنفاته في جميع الأمصار، والسيد شريف الحسني الذي درس في جميع بلاد العجم، وركن الدين الجرجاني، ونصير الدين