سبقت سائر أنواع الجدل والنقاش الفكري سبقا زمنيا، فلا بد لنا من القول بأن المناظرة حول الإمامة قد سبقت كل مناظرة كلامية تدور حول الصراع الفكري الذي حدث بين المسلمين في شتى نقاط الخلاف العقائدي والمذهبي بينهم.
وإن كانت المناظرة حول الإمامة والخلافة في أشكالها الأول قد تأطرت بإطار (الاحتجاج) من المعارضين على الفائزين في الصراع السياسي حول قيادة الأمة، وقد أعطي لها هذا العنوان: (الاحتجاج) إلا أنه لا يخرجها عن شمول عنوان (المناظرة) لها، فإن الاحتجاج في نفسه هو نوع من أنواع المناظرة، ويعتمد على إدلاء الحجج واعتماد الأدلة والاعتبارات المناسبة لتصحيح المعارضة وعدم الخضوع لموقف الفئة الحاكمة أو التي تحاول أن تكسب الحكم، ولا تسلب من الخصم إمكانية الدفاع عن نفسه وعن وجهات نظره ونقض حجج من يحتج عليه.
بل وإن الغلبة في الحجة والفوز في الخصومة الكلامية إن كانتا في جانب المعارضين، فإن ذلك يدل دلالة أقوى وآكد على أن الحق معهم، إذ أن خصومهم الذين يعتزون عليهم بما كسبوه من القدرة السياسية والعسكرية لا يأنفون أن يدلوا بحججهم ونقض حجج معارضيهم، فإن سكتوا هنا أمام معارضيهم، فستكون له دلالة أقوى من سكوت أحد المتناظرين.
ومن الواضح الذي لا يخفى على أحد، لا هو ولا الأسباب والعوامل الموجبة له، أن المناظرات حول الإمامة تشكل القسم الأكبر والأوسع من المناظرات الكلامية لعلماء الإمامية ومتكلميهم أعلى الله درجتهم ورضي عنهم وأرضاهم.