وجه تردده هو أن المؤلف قد استند إلى رواية ابن سنان في تنجيسها لفضلات ما لا يؤكل لحمه، وهنا تردد في تصريحها بالتنجيس، مضافا إلى أن رواية أبي بصير الذاهبة إلى عدم نجاسة عضوية الطير - كما هو رأي المؤلف - معارضة لرواية ابن سنان، لأن الالتزام بأحدهما يلغي الآخر.
طبيعيا، يمكن أن تقيد رواية ابن سنان بالطير فتكون النتيجة: أن ما لا يؤكل لحمه نجس إلا الطير. ومن الممكن أن تقيد رواية أبي بصير برواية ابن سنان فنكون النتيجة: أن ما لا يو كل لحمه من الطير نجس. إلا أن الحمل الأخير لا وجه له، لاستلزامه " عبثية " القيد، وإذا كنا نعرف بأن كلام المعصوم " ع " لا يمكن أن يتضمن قيدا عابثا، حينئذ نستخلص بسهولة أن قيد " الطيران " له مدخلية في الحكم، وأن " الطير " مستثنى من قاعدة: (ما لا يؤكل لحمه)، ومن هنا لا نرى وجها لتردد المؤلف في هذه المسألة. ويمكن ملاحظة نمط آخر من التردد المقترن بالترجيح، يتمثل في الممارسة التالية:
(حكم الاستنشاق حكم المضمضة في ذلك، على تردد، لعدم النص).
فالمؤلف هنا يرجح أن يلحق الاستنشاق بالمضمضة من حيث عدم مفطريته إذا كان في الوضوء - ولكن: نظرا لعدم وجود النص، يتردد في الإلحاق المذكور. كما هو واضح، فالملاحظ في هذه النماذج - أن عدم " ظهور " النص من جانب أو فقدانه من جانب آخر، دفع المؤلف إلى التردد في إصدار الحكم.
وأيا كان، فإن النماذج المتقدمة من تردد " العلالة " نابع من كونه يستند إلى أدلة مرجحة في نظره، ولكنه يتوقف في النهاية من إصدار الحكم. لكن هناك نموذج من الممارسات التي لا ترجيح فيها لأحد الأدلة، حيث يتكافأ الدليلان مما يحمله ذلك على التردد أو التوقف في إصدار الحكم، وهذا من نحو ممارسته التالية:
(الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام هل يباح له الفطر؟ فيه: تردد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته عن معارضة المرض، ومن كون المرض إنما يبيح له الفطر لأجل الضرر به، وهو حاصل هنا، لأن الخوف من تجدد المرض: في معنى الخوف من زيادته وتطاوله). كذلك يمكن ملاحظة تردده النابع من تكافؤ الدليلين، في ممارسته الآتية: