وإن كان قد عمل محرما من حيث النقل، وهذا من نحو الصلاة في المكان المغصوب أو البيع في يوم الجمعة عند النداء مثلا، حيث تترتب آثار الإبراء للذمة وتحقق الملكية بالرغم من ممارسته مما هو محرم. لذلك، فإن المسوغ العملي - في النموذج الثالث - يظل فارضا فاعليته في هذا الصعيد.
وهو أمر ينطوي على فائدتين في ميدان البحث، أولاهما: الفائدة العلمية المتمثلة في رحابة صدر المؤلف لأن يفترض إمكانية الصواب لوجهة النظر المفترضة، والأخرى: الفائدة المصحوبة بالامتاع العلمي، حيث أن تناول المسألة في شتى صورها تحقق امتاعا علميا له إسهامه في إثراء تجربة القارئ وتحريك ذهنه على المحاكمات العقلية، وهذا ما توفر عليه فقيهنا الكبير " العلامة " في عرضه الممتع لكثير من افتراضاته التي تفصح عن إسهامه العلمي الضخم في هذا الميدان وفي سائر الميادين التي طبعت شخصية " العلامة " بسمات فائقة جعلت منه شخصية علمية متفردة في تأريخنا الفقهي الموروث والمعاصر.
عنصر التطوير الفقهي:
والآن، خارجا عن الملاحظات التي طرحناها في سياق تقويمنا لممارسات " العلامة " وهي ملاحظات قد لا يوافقنا القراء عليها، بخاصة أن طبيعة الممارسة الاستدلالية الشاملة التي لا تقتصر على صياغة الدليل العابر، تتطلب منهجا يقوم على تثبيت وجهة النظر أو إلزام المخالف من الخاصة والعامة من خلال طرائق متنوعة، مثل:
افتراض صحة الرواية حينا، والطعن بها في موقع آخر، ومثل: الاستدلال على مسألة لم يقتنع الفقهاء بها، ثم ترتيب الآثار عليها على نحو الافتراض، ومثل: تقديم الأصل على الأمارة،. إلخ أولئك جميعا قد تفرضها طبيعة الممارسة الفقهية التي لم تقتصر على فقيهنا الكبير، بل انسحبت على المتأخرين أيضا، بحيث أصبحت جزءا من الصناعة الفقهية التي اكتسبت طابعا مشروعا. ولذلك، فإن إبداء الملاحظات على هذه الصناعة لا يعني أنها تقلل من ضخامة وإحكام ومتانة العمارة الفقهية الضخمة التي خطط لها " العلامة ".