تثبيت وجهة نظره. حيث إن المسوغ لأمثلة هذا التوكؤ على أدلة السنة النبوية من طرقهم أو إجماعاتهم أو قول وعمل الصحابة دون القياس والاستحسان ونحوها من الأدلة التي تدخل ضمن " الرأي " هو: أن هذه الأدلة لا تتعارض مع أدلة " الخاصة " من حيث كونها مستندة إلى كلام النبي صلى الله عليه وآله أو فعله أو تقريره، كل ما في الأمر أن " طرقها " مشكوك فيها، أي: أنها ذات مظان شرعية من حيث المصدر دون طرقه الكاشفة عنه، وهذا بخلاف الأدلة المستندة إلى " الرأي " المنهي عنه شرعا، حيث لا مستند لها البتة، لذلك يمكن الاستدلال بالرواية أو الإجماع أو عمل الصحابة " في مقام إلزامهم " على العكس من أدلة " الرأي "، فروايات الجمهور - مثلا - حيال طهارة ومطهرية الماء، أو إجماعهم على عدم انفعال الكثير منه بالنجاسة، أو عمل الصحابة في عدم الالتفات إلى " تغير " الماء الذي لا يمكن التحرز منه بالنسبة إلى مطهريته. أمثلة هذه الأدلة التي استند إليها المؤلف تظل أدوات معززة لدليل " الخاصة ": من حيث استنادها إلى مصدر " شرعي " بالرغم من أنها ذات طرق مشكوك في حجتها ولكنها ما دامت - بشكل أو بآخر - تدعي الانتساب إلى ما هو " شرعي "، فحينئذ لا مانع من التوكؤ عليها في صعيد " الإلزام " للمخالف.
وفي ضوء هذه الحقائق يمكننا أن نستشهد ببعض ممارسات المؤلف في تعامله مع أدلة الجمهور في مرحلة عرض الأدلة، سواء أكان ذلك في صعيد التعامل مع " الروايات " أو " الإجماع " أو " قول وفعل الصحابي ".
أما بالنسبة إلى تعامله مع الرواية، فنجده يرتكن - بنحو عام - إلى معايير الجمهور في " التعديل والجرح " لها، حيث إن المقارنة تفرض عليه أن يعتمد معايير الطرف الآخر من أطراف المقارنة. لذلك يحرص على تقديم الرواية المعتبرة سندا لدى الجمهور، حتى أنه ليشير أحيانا إلى كونها " معتبرة " من خلال التنصيص عليها. وهذا من نحو تعقيبه على الروايات التي ساقها للتدليل على عدم طهارة جلد الميتة حتى لو دبغ، حيث علق على إحداها قائلا: (ورواه أبو داود، قال: إسناده جيد) وعقب على أخرى، قائلا: (وإسناده حسن).
بالمقابل نجده في مرحلة ردوده على أدلة الآخرين - كما سنرى لاحقا - يرفض الرواية