ولا يصح عن ابن عباس انها نزلت في الزكاة، لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة، وهو ساقط، ومن طريق مقسم، وهو ضعيف.
ومن ادعى أنه نسخ لم يصدق الا بنص متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فما يعجز أحد عن أن يدعى في أي آية شاء وفى أي حديث شاء أنه منسوخ، ودعوى النسخ إسقاط لطاعة الله تعالى فيما أمر به من ذلك النص، وهذا لا يجوز الا بنص مسند صحيح.
وأما قول (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بنضح أو دالية (2) نصف العشر) فهو خبر صحيح، لو لم يأت ما يخصه لم يجز خلافه لاحد.
لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف وأحمد بن محمد الطلمنكي، قال عبد الله:
ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعمر والناقد، وزهير بن حرب، قالوا كلهم: ثنا وكيع، وقال الطلمنكي: ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقى ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا أحمد بن الوليد العدني ثنا يحيى بن آدم، ثم اتفق وكيع ويحيى، كلاهما عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أو ساق (3) تمر ولا حب صدقة) قال وكيع في روايته: (من تمر) واتفقا فيما عدا ذلك (4).
قال أبو محمد: وهذا إسناده في غاية الصحة، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة عن كل ما دون خمسة أو ساق (5) من حب أو تمر.
ولفظة (دون) في اللغة العربية تقع على معنيين، وقوعا مستويا، ليس أحدهما أولى من الآخر وهما بمعنى: أقل، وبمعنى: غير، قال عز وجل: (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) أي من غيري، وقال عز وجل: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم) أي من غيرهم، وحيثما وقعت لفظة (دون) في القرآن فهي بمعنى غير، فلا يجوز لاحد ان يقتصر بلفظة (دون)