عموم الخبر الثابت: (فيما سقت السماء العشر) أو قولنا، وهو: لا زكاة إلا فيما أوجبها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه على ما صح عنه عليه السلام من أنه قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر صدقة).
وأما من أسقط من ذلك الخبر ما يقتضيه عمومه، وزاد في هذا الخبر ما ليس فيه -:
فلم يتعلقوا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا برواية ضعيفة، ولا يقول صاحب لا مخالف له منهم، ولا بقياس ولا بتعليل مطرد، بل خالفوا ذلك، لأنهم إن راعوا القوت فقد أسقطوا الزكاة عن كثير من الأقوات، وكالتين والقسطل اللبن وغير ذلك، وأوجبوه فيما ليس قوتا، كالزيت والحمص وغير ذلك مما لا يتقوت إلا لضرورة مجاعة، وان راعوا الاكل فقد أسقطوها عن كثير مما يؤكل، وأوجبها بعضهم فيما لا يؤكل، كزيت الفجل والقطن وغير ذلك، وان راعوا ما يوسق فقد أسقطوها عن كثير مما يوسق.
ثم أيضا لو راعوا شيئا من هذه المعاني وطردوا أصلهم لكانوا قائلين بلا برهان، لكن بدعوى فاسدة وظن كاذب، والله تعالى يقول: (إن الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث).
فإذ لم يبق الا أحد هذين القولين المذكورين فان قول من أوجب الزكاة في كل ما أنبتت الأرض -: حرج شديد، وشق الأنفس، وعسر لا يطاق، والاخذ بذلك الخبر تكليف ما ليس في الوسع، وممتنع لا يمكن البتة، لأنه يوجب أن لا ينبت في دار أحد أو في قطعة أرض له عشب ولو أنه ورقة واحدة أو نرجسة أو فول أو غصن حرف أو بهارة (1) أو تينة واحدة -: إلا وجب عليه عشر كل ذلك أو نصف عشره وكذلك ورق الشجر والتبن حتى تبن الفول وقصب الكتان، نعم، وأصول الشجر نفسها، لان كل ذلك مما يسقيه الماء وهذا مما لا يمكن البتة، وقد قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وامتن تعالى علينا إذ أجابنا في دعائنا الذي أمرنا تعالى ان ندعو به فنقول:
(ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا).
فان قيل: يفعل في ذلك ما يفعل الشريكان فيه.