وقال بعض المخالفين: نعم هي مكية، إلا هذه الآية وحدها، فإنها مدنية.
قال أبو محمد: هذه دعوى بلا برهان على صحتها، وتخصيص بلا دليل، ثم لو صح لما كانت لهم في ذلك حجة، لان قائل هذا القول زعم أنها أنزلت في شأن ثابت بن قيس ابن الشماس رضي الله عنه، إذ جد ثمرته فتصدق منها حتى لم يبق له منها شئ (1)، فبطل أن يكون أريد بها الزكاة.
والثاني: قوله تعالى فيها: (وآتوا حقه يوم حصاده) ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن الزكاة لا يجوز إيتاؤها يوم الحصاد، لكن في الزرع بعد الحصاد، والدرس والذرو، والكيل، وفى الثمار بعد اليبس والتصفية والكيل، فبطل أن يكون ذلك الحق المأمور به هو الزكاة التي لا تجب إلا بعد ما ذكرنا.
والثالث: قوله تعالى في الآية نفسها: (ولا تسرفوا) ولا سرف في الزكاة، لأنها محدودة، لا يحل أن ينقص منها حبة ولا تزاد أخرى (2).
فان قيل: فما هذا الحق المفترض في الآية؟.
قلنا: نعم، هو حق غير الزكاة، وهو ان يعطى الحاصد حين الحصد ما طابت به نفسه ولابد، لاحد في ذلك، هذا ظاهر الآية، وهو قول طائفة من السلف.
كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل ابن إسحاق القاضي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث - هو ابن عبد الملك - عن محمد بن سيرين وعن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: كانوا يعطون من اعتر بهم (3) شيئا سوى الصدقة.
وبه إلى إسماعيل بن إسحاق قال: ثنا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في