لم يلتزما التحديد بما يتقوت، ولا بمال يكال، ولا بما يؤكل ولا بما يبس، ولا بما يدخر، وأتيا بأقوال في غاية الفساد، فأوجبا الزكاة في الجوز واللوز والجلوز والصنوبر، وأسقطاها عن البلوط والقسطل واللفت وأوجباها في البسباس، وأسقطاها عن الشونيز، وهما اخوان وأوجباها - في بعض الأقوال - في الثوم، والبصل وأسقطاها عن الكراث، وأوجباها في خيوط الكتان وحبه، وأوجباها (1) في حب العصفر ونواره، وأوجباها في خيوط القطن دون حبه، وأوجباها في حب القنب وأسقطاها عن خيوطه، وأوجباها في الخردل وأسقطاها عن الحرف، وأوجباها في العناب، وأسقطاها عن النبق، وهما أخوان، وأوجباها في الرمان، وأسقطاها عن التفاح والسفرجل وهي (2) سواء.
فان قيل: الرمان مذكور في الآية. قيل: والزرع مذكور في الآية.
وقد أسقطا الزكاة عن أكثر ما يزرع.
وهذه وساوس تشبه ما يأتي به الممرور (3) ومالهما متعلق لامن قرآن ولا من سنة ولا من رواية ضعيفة، ولا من قول صاحب، ولا قياس، ولا رأى سديد، وما نعلم أحدا قال بذلك قبلهما، فسقط هذا القول الفاسد أيضا جملة.
أما قول أبي حنيفة فلا متعلق له بالقرآن، ولا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر) لأنه قد اخرج من جملة ذلك القصب والحشيش وورق الثمار كلها، وهذا تخصيص لما احتج به، بلا برهان من نص ولا من اجماع، ولا من قياس ولا من رأى له وجه يعقل، مع خلافه للسنة، فخرج أيضا هذا القول عن الجواز (4). وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: فلم يبق إلا قول أصحابنا وقولنا: فنظرنا في ذلك، فوجدنا أصحابنا يحتجون بالآية المذكورة وبالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (فيما سقت السماء العشر)، لا حجة لهم غير هذين النصين،.
فوجدنا الآية لا متعلق لهم بها لوجوه.
أحدها: ان السورة مكية، والزكاة مدنية بلا خلاف من أحد من العلماء فبطل أن تكون أنزلت في الزكاة.