عن هذا الحكم إلا ما صح النص باخراجه، ثم وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى، وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصروا ولا أفطروا، ولا أفطر ولا قصر، فخرج هذا عن أن يسمى سفرا، وعن أن يكون له حكم السفر، فلم يجز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على من سماه من هو حجة في اللغة سفرا، فلم نجد ذلك في أقل من ميل، فقد روينا عن ابن عمر أنه قال: لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة، فأوقعنا اسم السفر وحكم السفر في الفطر والقصر على الميل فصاعدا، إذا لم نجد عربيا ولا شريعيا عالما أوقع على أقل منه اسم سفر، وهذا برهان صحيح. وبالله تعالى التوفيق.
فان قيل: فهلا جعلتم الثلاثة الأميال - كما بين المدينة وذي الحليفة - حدا للقصر والفطر إذ لم تجدوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قصر ولا أفطر في أقل من ذلك؟.
قلنا: ولا وجدنا عنه عليه السلام منعا من الفطر والقصر في أقل من ذلك، بل وجدناه عليه السلام أوجب عن ربه تعالى الفطر في السفر مطلقا، وجعل الصلاة في السفر ركعتين مطلقا، فصح ما قلناه. والله تعالى الحمد والميل هو ما سمى عند العرب ميلا، ولا يقع ذلك على أقل من ألفي ذراع.
فان قيل: لو كان هذا ما خفى على ابن عباس ولا على عثمان ولا على من لا يعرف ذلك من التابعين والفقهاء، فهو مما تعظم به البلوي.
قلنا: قد عرفه عمر، وابن عمر، وأنس وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين.
ثم نعكس عليكم قولكم، فنقول للحنيفيين: لو كان قولكم في هذه المسألة حقا ما خفى على عثمان، ولا على ابن مسعود، ولا على ابن عباس، ولا على من لا يعرف قولكم، كمالك، والليث والأوزاعي، وغيرهم، ممن لا يقول به من الصحابة والتابعين والفقهاء، وهو مما تعظم به البلوي.
ونقول للمالكيين: لو كان قولكم حقا ما خفى على كل من ذكرنا من الصحابة والتابعين والفقهاء، وهو مما تعظم به البلوى.
إلا أن هذا الالزام لازم للطوائف المذكورة لالنا، لأنهم يرون هذا الالزام حقا، ومن حقق شيئا لزمه، وأما نحن فلا نحقق هذا الالزام الفاسد، بل هو عندنا وسواس وضلال، وإنما حسبنا اتباع ما قال الله تعالى ورسوله عليه السلام، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، وما من شريعة اختلف الناس فيها إلا قد علمها بعض السلف وقال بها، وجهلها بعضهم