وعن سعيد بن جبير: لان أطأ على جمرة حتى تبرد أحب إلى من أن اطأ على قبر. وهو قول أبى سليمان.
فقال قائلون بإباحة ذلك، وحملوا الجلوس المتوعد عليه إنما هو للغائط خاصة.
وهذا باطل بحت لوجوه.
أولها أنه دعوى بلا برهان، وصرف لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه، وهذا عظيم جدا وثانيها ان لفظ الخبر مانع من ذلك قطعا، بقوله عليه السلام: (لان يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) وبالضرورة يدرى كل ذي حس سليم ان القعود للغائط لا يكون هكذا البتة، وما عهدنا قط أحدا يقعد على ثيابه للغائط إلا من لا صحة لدماغه.
وثالثها ان الرواة لهذا الخبر لم يتعدوا به وجهه من الجلوس المعهود، وما علمنا قط في اللغة (جلس فلان) بمعنى تغوط، فظهر فساد هذا القول. ولله تعالى الحمد.
وقد ذكرنا تحريم الصلاة إلى القبر وعليه في كتاب الصلاة. (1) والله تعالى محمود.
579 - مسألة - ولا يحل لاحد ان يمشى بين القبور بنعلين سبتيتين (2) وهما اللتان لا شعر فيهما، فإن كان فيهما شعر جاز ذلك، فإن كانت إحداهما بشعر والأخرى بلا شعر جاز المشي فيهما.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله ابن المبارك ثنا وكيع عن الأسود بن شعبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك (3) عن بشير رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو ابن الخصاصية - (4) قال: (كنت أمشى مع رسول الله * (هامش) (1) في المسألة رقم (393) (ج 4 ص 27 و 32) (2) بكسر السين المهملة واسكان الباء الموحدة، والسبت الجلد المدبوغ بالقرظ، قال الأزهري (كأنها سميت سبتية لان شعرها قد سبت عنها أي حلق وأزيل بعلاج من الدباغ معلوم عند دباغيها) (3) بشير بفتح الباء وكسر الشين المعجمة، ونهيك بفتح النون وكسر الهاء. (4) بشير بفتح الموحدة أيضا، والخصاصية بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الصاد المهملة الأولى وكسر الثانية وتخفيف الياء، وهي احدى جداته، وهو بشير بن معبد وحديثه في النسائي (ج 4 ص 96) وأبى داود (ج 3 ص 210) وابن ماجة (ج 1 ص 244). وقد ذكر بشير هنا وفى المسألة 582 باسم (بشير رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفى أبى داود (بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم أر شيئا يؤيدهما في هذه النسبة * (*)