فان قالوا: قد كان أهل العوالي يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة.
قلنا: نعم وقد كان أهل ذي الحليفة يجمعون معه أيضا عليه السلام، روينا ذلك من طريق الزهري. ولا يلزم هذا عندكم، وقد كانوا يشهدون معه عليه السلام سائر الصلوات، ولم يكن ذلك دليلا على أن سائر قومهم لا يصلون الجماعات في مساجدهم، ولم يأت قط نص بأنهم كانوا لا يجمعون سائر قومهم في مساجدهم، ولا يحدون هذا أبدا.
ومن البرهان القاطع على صحة قولنا: أن الله تعالى إنما افترض في القرآن السمى إلى صلاة الجمعة إذا نودي لها، لاقبل ذلك وبالضرورة أن من كان على نحو نصف ميل أو ثلثي ميل لا يدرك الصلاة أصلا إذا راح إليها في الوقت الذي أمره الله تعالى بالرواح إليها، فصح ضرورة أنه لابد لكل طائفة من مسجد يجمعون فيه إذا راحوا إليه في الوقت الذي أمروا بالرواح إليه فيه أدركوا الخطبة والصلاة، ومن قال: غير هذا فقد أوجب الرواح حين ليس بواجب، وهذا تناقص وايجاب ما ليس عندهم واجبا.
ومن أعظم البرهان عليهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المدينة وإنما هي قرى صغار مفرقة، بنو مالك بن النجار في قريتهم حوالي دورهم أموالهم ونخلهم، وبنو عدى بن النجار في دارهم كذلك، وبنو مازن بن النجار كذلك، وبنو سالم كذلك، وبنو ساعدة كذلك، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك وبنو عمرو بن عوف كذلك، وبنو عبد الأشهل كذلك، وسائر بطون الأنصار كذلك، فبنى مسجده في بنى مالك بن النجار، وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة، ولا مصر هنا لك، فبطل قول من ادعى أن لا جمعة إلا في مصر، وهذا امر لا يجهله أحد لا مؤمن ولا كافر، بل هو نقل الكواف من شرق الأرض إلى غربها.
وبالله تعالى التوفيق.
وقول عمر بن الخطاب: (حيثما كنتم) إباحة للتجميع في جميع المساجد.
وروينا عن عمرو بن دينار أنه قال: إذا كان المسجد تجمع فيه للصلاة فلتصل فيه الجمعة.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء بن أبي رباح: أرأيت أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر؟، كيف يصنعون؟ قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزئ ذلك عنهم. وهو قول أبى سليمان، وبه نأخذ.
524 - مسألة - وليس للسيد منع عبده من حضور الجمعة، لأنه إذ قد ثبت انه مدعو إليها فسعيه إليها فرض كما أن الصلاة فرض ولا فرق، ولا يحل له منعه من شئ من فرائضه،