فقيل لهم: لما كان اللبث بعرفة لا يقتضى وجوب الصوم وجب أن يكون الاعتكاف لا يقتضى وجوب الصوم.
قال أبو محمد: من البرهان على صحة قولنا اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلا يخلو صومه من أن يكون لرمضان خالصا - وكذلك هو - فحصل الاعتكاف مجردا عن صوم يكون من شرطه وإذا لم يحتج الاعتكاف إلى صوم ينوى به الاعتكاف فقد بطل أن يكون الصوم من شروط الاعتكاف وصح انه جائز بلا صوم، وهذا برهان ما قدروا على اعتراضه الا بوساوس لا تعقل. ولو قالوا: إنه عليه السلام صام للاعتكاف لا لرمضان أو لرمضان والاعتكاف لم يبعدوا عن الانسلاخ من الاسلام.
وأيضا فان الاعتكاف هو بالليل كهو بالنهار، ولا صوم بالليل، فصح ان الاعتكاف لا يحتاج إلى صوم.
فقال مهلكوهم ههنا: إنما كان الاعتكاف بالليل تبعا للنهار.
فقلنا: كذبتم ولا فرق بين هذا القول وبين من قال: بل إنما كان بالنهار تبعا لليل، وكلا القولين فاسد.
فقالوا: إنما قلنا: انا الاعتكاف يقتضى (1) أن يكون في حال صوم.
فقلنا: كذبتم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فلما كان الاعتكاف عندنا وعندكم لا يقتضى أن يكون معه صوم ينوى به الاعتكاف -:
صح ضرورة أن الاعتكاف ليس من شروطه ولا من صفاته ولا من حكم أن يكون معه صوم، وقد جاء نص صحيح بقولنا.
كما روينا من طريق أبى داود: نا عثمان بن أبي شيبة نا أبو معاوية ويعلي بن عبيد كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، قالت: وانه أراد مرة ان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، قالت: فأمر ببنائه فضرب فلما رأيت ذلك أمرت بينائى فضرب، وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائهن (2) فضرب، فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية، فقال: ما هذه؟ البر تردن؟ فأمر ببنائه فقوض،