بالنهار الذي لا يكون الصوم الا فيه فبطل تمويههم بايراد هذه الآية، حيث ليس فيها شئ مما موهوا به، لا بنص ولا بدليل.
وذكروا ما روينا من طريق أبى داود قال: نا أحمد بن إبراهيم نا أبو داود - هو الطيالسي - نا عبد الله بن بديل (1) عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال: (ان عمر جعل عليه في الجاهلية ان يعتكف ليلة أو يوما عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
اعتكف وصم).
قال أبو محمد. هذا خبر لا يصح، لان عبد الله بن بديل مجهول (2)، ولا يعرف هذا الخبر من مسند عمرو بن دينار أصلا، وما نعرف لعمرو بن دينار عن ابن عمر حديثا مسندا الا ثلاثة ليس هذا منها، أحدها في العمرة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) والثاني في صفة الحج والثالث. (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فسقط عنا هذا الخبر لبطلان سنده.
ثم الطامة الكبرى احتجاجهم به في ايجاب الصوم في الاعتكاف ومخالفتهم إياه في ايجاب الوفاء بما نذره المرء في الجاهلية فهذه عظيمة لا يرضى بها ذو دين.
فان قالوا معنى قوله (في الجاهلية) أي أيام ظهور الجاهلية بعد اسلامه.
قلنا لمن قال هذا. ان كنت تقول هذا قاطعا به فأنت أحد الكذابين، لقطعك بما لا دليل لك عليه، ولا وجدت قط في شئ من الاخبار، وان كنت تقوله ظنا فان الحقائق لا تترك بالظنون، وقد قال الله تعالى. (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث).
فكيف وقد صح كذب هذا القول، كما روينا من طريق ابن أبي شيبة : نا حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: (نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت، فأمرني أن أو في بنذري).
وهذا في غاية الصحة، لا كحديث عبد الله بن بديل الذاهب في الرياح.