الا في مسجد جامع).
فمن أين صار قولها في ايجاب الاعتكاف حجة ولم يصر قولها: (لا اعتكاف الا في مسجد جامع) حجة.
وروينا عنها من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج، ومعمر، قال ابن جريج: أخبرني عطاء: ان عائشة نذرت جوارا (1) في جوف ثبير (2) مما يلي منى، وقال معمر عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة قال: اعتكفت عائشة أم المؤمنين بين حراء وثبير فكنا نأتيها هنالك.
فخالفوا عائشة في هذا أيضا، وهذا عجب.
وأما ابن عمر فحدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد ابن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح: ان ابن عمر كان إذا اعتكف ضرب فسطاطا أو خباء يقضى فيه حاجته، ولا يظله سقف بيت.
فكان ابن عمر حجة فيما روى عنه أنه لا اعتكاف الا بصوم، ولم يكن حجة في أنه كان إذا اعتكف لا يظله سقف بيت.
فصح ان القوم إنما يموهون بذكر من يحتج به من الصحابة ايهاما، لأنهم لا مؤنة عليهم من خلافهم فيما لم يوافق من أقوالهم رأى أبي حنيفة ومالك وأنهم لا يرون أقوال الصحابة حجة إلا إذا وافقت رأى أبي حنيفة ومالك فقط، وفى هذا ما فيه. فبطل قولهم لتعريه من البرهان.
ومن عجائب الدنيا ومن الهوس قولهم: لما كان الاعتكاف لبثا في موضع أشبه الوقوف بعرفة، والوقوف بعرفة لا يصح إلا محرما، فوجب ان لا يصح الاعتكاف الا بمعنى آخر، وهو الصوم.