في التفضيل على السابقة والنسب فمنهم من قال أسوى بين الناس فإن أبا بكر رضي الله عنه حين قال له عمر أتجعل للذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم كمن دخل في الاسلام كرها؟ فقال أبو بكر إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله وإنما الدنيا بلاغ وسوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الناس ولم يفضل (قال الشافعي) رحمه الله: وهذا الذي أختاره وأسأل الله التوفيق وذلك أنى رأيت الله تعالى قسم المواريث على العدد فسوى فقد تكون الاخوة متفاضلي الغناء عن الميت في الصلة في الحياة والحفظ بعد الموت ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم لمن حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد فسوى ومنهم من يغنى غاية الغناء ويكون الفتوح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضارا بالجبن والهزيمة فلما وجدت الكتاب والسنة على التسوية كما وصفت كانت التسوية أولى من التفضيل على النسب أو السابقة ولو وجدت الدلالة على التفضيل أرجح بكتاب أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة مع الهوى أسرع (قال الشافعي) وإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما يعطى من بعدت داره وغلا سعره وهذا وإن تفاضل عدد العطية تسوية على معنى ما يلزم كل واحد من الفريقين في الجهاد إذا أراده وعليهم أن يغزوا إذا غزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه فإن استغنى مجاهده بعدد وكثرة من قربه أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم واختلف أصحابنا في إعطاء الذرية ونساء أهل الفئ فمنهم من قال يعطون وأحسب من حجتهم فإن لم يفعل فمؤنتهم تلزم رجالهم فلم يعطهم الكفاية فيعطيهم كمال الكفاية ومنهم من قال إذا أعطوا ولم يقاتلوا فليسوا بذلك أولى من ذرية الاعراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفئ (قال الشافعي) حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس ابن الحدثان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما أحد إلا وله في هذا المال حق إلا ما ملكت أيمانكم أعطيه أو منعه (قال الشافعي) وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن نقول ليس أحد بمعنى (1) حاجة من الصدقة أو بمعنى أنه من أهل الفئ الذين يغزون إلا وله في مال الفئ أو الصدقة حق وكان هذا أولى معانيه به فإن قيل ما دل على هذا؟
قبل قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة " لاحظ فيها لغنى ولا لذي مرة مكتسب " والذي أحفظ عن أهل العلم أن الاعراب لا يعطون من الفئ (قال) وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أهل الفئ كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفئ (قال الشافعي) والعطاء الواجب في الفئ لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال (قال) ابن عمر رضي الله عنهما عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني وقال عمر بن عبد العزيز هذا فرق بين المقاتلة والذرية (قال الشافعي) فإن كملها أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطى على كفاية المقام وهو شبيه بالذرية فإن فرض لصحيح ثم زمن خرج من المقاتلة وإن مرض طويلا يرجى أعطى كالمقاتلة (قال) ويخرج العطاء للمقاتلة كل عام في وقت من الأوقات والذرية على ذلك الوقت وإذا صار مال الفئ إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطيه ورثته فإن مات قبل أن يصير إليه ما ذلك العام لم يعطه ورثته (قال) وإن فضل من الفئ شئ بعد ما وصفت من إعطاء العطايا وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في السلاح والكراع وكل ما قوى به المسلمون فإن استغنوا عنه وكملت مصلحة لهم فرق ما يبقى منه بينهم على قدر ما يستحقون في ذلك المال