الرشيد، فإنه لما ولى أبا يوسف القضاء بعد سنة سبعين ومائة من الهجرة كان لا يولي القضاء الا لمن أشار به عليه أبو يوسف، وكان لا يشير الا لمن كان مقلدا لأبي حنيفة. فكان الامر على ذلك أيام الدولة العباسية وأيام الدولة العثمانية، وكذلك لما قام بالأندلس الحكم المرتضى سنة ثمانين ومائة، اختص بيحيى بن يحيى بن كثير الأندلسي صاحب مالك، فكان لا يولي الحكم الا مالكيا، فصار أهل الأندلس مالكية بعد إن كانوا أوزاعية.
ولم تزل المذاهب خاضعة للملوك والامراء يرفعها قوم ويخفضها آخرون إلى أن كانت سلطنة الظاهر بيبرس البند قداري وولي مصر والقاهرة فجعل لكل مذهب من المذاهب الأربعة قاضيا، فانحلت عقدة التعصب حلا يسيرا. وقد أوضحنا الكلام على ذلك في كتابنا (الآثار الدمشقية).
وحاصل الامر ان ارتفاع المذاهب وانخفاضها لم يكن لتمحيص أدلتها وطلب الصواب منها، بل كان لحاجة في نفوس الامراء والملوك والحكام.
وبالجملة، فالحديث ذو شجون.
ولنرجع إلى ما كنا بصدده وهو (ان مذهب الإمام زيد من جملة المذاهب) المبنية على الكتاب والسنة، كما يعلم ذلك من يطالع مسنده هذا وشروحه التي تأخذ بيد الأفكار إلى طلب الدليل والتعليل الامر الذي يقضي به علينا شرعنا الطاهر والى الاطلاع على سير الأئمة في استنباط