والمدعو والمرثى ومن أوضح تسويلات الشيطان أن الرجل المتستر قد تدعوه نفسه لأجل التفرج والتنزه والتلذذ إلى ما يوجب نشاطه ورفع الكسالة عنه من الزمزمة الملهية فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم والمراثي ونحوها، فيتغنى به أو يحضر عند من يفعل ذلك وربما يعد مجلسا لأجل احضار أصحاب الألحان ويسميه مجلس المرثية فيحصل له بذلك ما لا يحصل من ضرب الأوتار من النشاط و الانبساط، وربما يبكي في خلال ذلك لأجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره من فقد ما يستحضره القوى الشهوية ويتخيل أنه بكى في المرثية وفاز بالمرتبة العالية وقد أشرف على النزول إلى دركات الهاوية فلا ملجأ إلا إلى الله من شر الشيطان والنفس الغاوية.
وربما يجرئ [يجترئ] على هذا عروض الشبهة في الأزمنة المتأخرة في هذه المسألة تارة من حيث أصل الحكم وأخرى من حيث الموضوع وثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.
أما الأول: فلأنه حكى عن المحدث الكاشاني أنه خص الحرام منه بما اشتمل على محرم من خارج مثل اللعب بآلات اللهو ودخول الرجال والكلام بالباطل، و إلا فهو في نفسه غير محرم والمحكى من كلامه في الوافي أنه بعد حكاية الأخبار التي يأتي بعضها قال الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء وما يتعلق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلها بما كان على النحو [المعهود] المتعارف في زمن الخلفاء من دخول الرجال عليهم وتكلمهن بالباطل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقصب وغيرهما دون ما سوى ذلك من أنواعه كما يشعر به قوله: ليست بالتي تدخل عليها الرجال إلى أن قال: وعلى هذا فلا بأس بالتغني بالأشعار المتضمنة لذكر الجنة والنار والتشويق إلى دار القرار و وصف نعم الملك الجبار وذكر العبادات والرغبات في الخيرات والزهد في الفانيات و نحو ذلك كما أشير إليه في حديث الفقيه بقوله: ذكرتك الجنة وذلك لأن هذا كله ذكر