ومما يظهر منه خروج هذا عن مورد طعن العلماء على المنجمين ما تقدم من قول العلامة قدس سره إن المنجمين بين قائل بحياة الكواكب وكونها فاعلة مختارة وبين من قال إنها موجبة ويظهر ذلك من السيد قدس سره حيث قال: بعد إطالة الكلام في التشنيع عليهم ما هذا لفظة المحكي، وما فيهم أحد يذهب إلى أن الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده أفعالا من غير أن يكون للكواكب بأنفسها تأثير في ذلك، قال: ومن ادعى منهم هذا المذهب الآن فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء ومتجمل بهذا المذهب عند أهل الاسلام انتهى.
لكن ظاهر المحكي عن ابن طاووس انكار السيد قدس سره لذلك أيضا حيث إنه بعد ما ذكر أن للنجوم علامات ودلالات على الحادثات، لكن يجوز للقادر الحكيم تعالى أن يغيرها بالبر والصدقة والدعاء وغير ذلك من الأسباب وجوز تعلم علم النجوم والنظر فيه والعمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة، وحمل أخبار النهي على ما إذا اعتقد أنها كذلك أنكر على علم الهدى تحريم ذلك، ثم ذكر لتأييد ذلك أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به انتهى.
وما ذكره قدس سره حق إلا أن مجرد كون النجوم دلالات وعلامات لا يجدي مع عدم الإحاطة بتلك العلامات ومعارضاتها والحكم مع عدم الإحاطة لا يكون قطعيا ولا ظنيا والسيد علم الهدى إنما أنكر من المنجم أمرين:
أحدهما: اعتقاد التأثير وقد اعترف به ابن طاوس.
والثاني: غلبة الإصابة في أحكامهم كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة، وهذا أمر معلوم بعد فرض عدم الإحاطة بالعلامات ومعارضاتها.
ولقد أجاد شيخنا البهائي أيضا حيث أنكر الأمرين، وقال بعد كلامه المتقدم في انكار التأثير والاعتراف بالأمارة والعلامة أعلم أن الأمور التي يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية، أصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي سلام الله عليهم، وبعضها يدعون لها التجربة وبعضها مبتن على أمور منشعبة، لا تفي القوة البشرية بضبطها والإحاطة بها كما يؤمي إليه قول الصادق عليه السلام كثيرة لا