وبالجملة فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق والمعاصي التي ورد النهي عن قراءة القرآن بها سواء كان مساويا للغناء، أو أعم أو أخص مع أن الظاهر أن ليس الغناء إلا هو وإن اختلف فيه عبارات الفقهاء واللغويين، فعن المصباح أن الغناء الصوت، وعن آخر أنه مد الصوت، وعن النهاية عن الشافعي أنه تحسين الصوت وترقيقه.
وعنها أيضا أن كل من رفع صوتا ووالاه فصوته عند العرب غناء، وكل هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها وعدم صدق الغناء عليها فكلها إشارة إلى المفهوم المعين عرفا والأحسن من الكل ما تقدم من الصحاح ويقرب منه المحكي عن المشهور بين الفقهاء من أنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، والطرب على ما في الصحاح خفة يعتري الانسان لشدة حزن أو سرور.
وعن الأساس للزمخشري خفة لسرور أو هم وهذا القيد هو المدخل للصوت في أفراد اللهو وهو الذي أراده الشاعر بقوله: (أطربا وأنت قنسرى أي شيخ كبير وإلا فمجرد السرور أو الحزن لا يبعد عن الشيخ الكبير.
وبالجملة فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب أو ولو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا، ومن اكتفى بذكر الترجيع كالقواعد أراد به المقتضي للاطراب قال في جامع المقاصد في الشرح ليس مجرد مد ا لصوت محرما وإن مالت إليه النفوس ما لم ينته إلى حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للاطراب انتهى.
ثم إن المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة إلى المغني أو المستمع أو ما كان من شأنه الاطراب ومقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع من جهة قبح الصوت أو غيره. وأما لو اعتبر الاطراب فعلا خصوصا بالنسبة إلى كل أحد وخصوصا بمعنى الخفة لشدة السرور أو الحزن فيشكل بخلو أكثر ما هو غناء عرفا عنه وكان هذا هو الذي دعا الشهيد الثاني إلى أن زاد في الروضة والمسالك بعد تعريف المشهور قوله.
أو ما يسمى في العرف غناء وتبعه في مجمع الفائدة وغيره، ولعل هذا أيضا دعا صاحب مفتاح الكرامة إلى زعم أن الاطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسر في الصحاح بخفة لشدة سرور أو حزن وإن توهمه صاحب مجمع البحرين وغيره من أصحابنا واستشهد على ذلك بما في الصحاح من التطريب في الصوت مدة وتحسينه.