وبالجملة فكل صوت يعد في نفسه مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به لهوا وباطلا فهو حرام، ومما يدل على حرمة الغناء من حيث كونه لهوا وباطلا ولغوا رواية عبد الأعلى وفيها ابن فضال، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء وقلت:
إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله رخص في أن يقال جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم، فقال: كذبوا إن الله تعالى يقول: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس الخبر.
فإن الكلام المذكور المرخص فيه بزعمهم ليس بالباطل واللهو الذين يكذب الإمام عليه السلام رخصة النبي صلى الله عليه وآله فيه فليس الانكار الشديد المذكور وجعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو الباطل إلا من جهة التغني به، ورواية يونس قال: سألت الخراساني عن الغناء، وقلت: إن العباسي زعم أنك ترخص في الغناء، فقال: كذب الزنديق ما هكذا، قلت له: وإنما سألني عن الغناء، قلت له: إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء، فقال له إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء، قال: مع الباطل، فقال: قد حكمت. ورواية محمد بن أبي عباد وكان مستهترا (مشتهرا) بالسماع وبشرب النبيذ، قال: سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال لأهل الحجاز فيه رأي وهو في حيز الباطل واللهو. أما سمعت الله عز وجل يقول: (وإذا مروا باللغو مروا كراما) والغناء من السماع كما نص عليه في الصحاح، وقال أيضا:
جارية مسمعة أي مغنية وفي رواية الأعمش الواردة في تعداد الكبائر قوله و الملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار وقوله عليه السلام: وقد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل جارية تلهيه وما ثمنها إلا كثمن الكلب وظاهره هذه الأخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث اللهو والباطل، كما هو الأقوى وسيجئ فهو وإن كان أعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان، كما أنه لو كان أخص وجب التعدي عنه إلى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو.