ولا يخفى ابتناء أكثر هذه الأقوال على كون الخمس بالطبع منصفا بنصفين وكون النصف ملكا للأصناف الثلاثة والنصف الآخر لشخص الإمام المعصوم ومن أمواله الشخصية بحيث يجب أن يحفظ ليوصل إليه أو يتصدق به عنه أو يتصرف فيما أحرز رضاه به. ولكن قد مر منا مرارا أن الخمس بأجمعه حق وحداني جعل لمنصب الإمامة والحكومة الحقة، فهو مال للإمام بما أنه إمام لا لشخصه، وحيثية الإمامة لوحظت تقييدية لا تعليلية، ونحوه الأنفال أيضا والمتصدي لأخذهما وصرفهما في شؤون الإمامة والحكومة من له حق الحكم، وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عصره الشريف، بعده للإمام المعصوم، وفي غيبته للفقيه العادل العالم بمصالح الاسلام والمسلمين. وإن شئت قلت: إنهما أموال عامة جعلتا شرعا في اختيار ممثل المجتمع ومن له حق الحكم عليهم، وإذنه وإجازته مصححان للمعاملات الواقعة عليهما، فمعنى كونهما للإمام هو أن الإمام ولي التصرف فيهما وبيده اختيارهما، ومصرفهما المصالح العامة على يشخصها الإمام العادل. ومن أهم المصالح إدارة عائلة شخص الإمام أيضا حفظ شؤونه، كما أن تموين الأصناف الثلاثة أيضا من أظهر وظائفه، فتدبر.
وحيث إن الإمامة والحكومة لا تتعطل شرعا، ولا يجوز تعطيل شؤونها ووظائفها ولو في عصر الغيبة كما بيناه بالتفصيل في هذا الكتاب فلا محالة لا يجوز حذف النظام المالي المقرر لها وتعطيله بالكلية. والخمس والأنفال من أهم المنابع المالية للحكومة الإسلامية فلا مجال لتحليلهما المطلق، أو إيجاب حفظهما والإباء عن صرفهما في مصارفهما المقررة، أو استبداد الناس في صرفهما بلا رجوع إلى من ثبت له الحكم ولو في بلد خاص أو منطقة خاصة.
وعدم بسط يد الفقهاء الصالحين للحكومة وعدم استقرار الحكومة المطلقة لهم لا ينافي وجوب تصديهم لبعض شؤونها الممكنة وصرف الأموال المقررة في مصارفها بقدر سعة نطاق الحكم كما استقر على ذلك عمل أئمتنا (عليه السلام).
ومن أهم المصارف الواجبة عقلا وشرعا حفظ الحوزات العلمية الدينية وترويج الشرع المبين وتهيئة المقدمات والوسائل لتحقيق الحكومة الصالحة الدينية وتوسعة