لأن البينة أقوى من يمين المدعي مع اللوث، لأنها تخبر عن إحاطة ويقين، والحالف إنما حلف على غالب ظنه، فقد مناها عليه، فيسترد الدية.
وإن كانت بحالها فجاء رجل آخر فقال: ما قتله المحلوف عليه وأنا الذي قتلته والضمان على، فهل للحالف أن يدعي على المقر؟ قال قوم: ليس له أن يدعي عليه، لأن قول الولي في الابتداء ما قتله إلا فلان وحده إقرار منه أن هذا المقر ما قتله، فلا يقبل منه دعواه عليه، وقال آخرون: له أن يدعي عليه، لأن قول الولي ما قتله فلان وحده، لم يقطع، وإنما قاله بغالب ظنه، وهذا المعترف يخبر عن قطع ويقين، فكان أعرف بما اعترف به، فلهذا كان له مطالبته به.
ويفارق هذا إذا قال: أنا قتلته، ثم قامت البينة أن هذا المعترف كان غائبا عن موضع القتل، حيث قلنا: لا تقبل هذه البينة، لأنه مكذب لها، وهاهنا غير مكذب لهذا المعترف، فبان الفصل بينهما.
والأقوى عندي الأول لأنا بينا أنه لا يجوز له أن يحلف إلا على علم، وإذا ثبت ذلك فكأنه قال: أنا أعلم أن الثاني ما قتله، فيكون مكذبا له، على أنا قد بينا قضية الحسن عليه السلام في مثل هذا وأن الدية من بيت المال.
إذا أقسم الولي وأخذ الدية مائة من الإبل، ثم قال: هذه الإبل التي أخذتها حرام احتمل هذا ثلاثة أشياء: أحدها: لأني أقسمت كاذبا، وكان القاتل غير هذا.
الثاني: حلفت مع اللوث واستوفيت، وهذا عندي حرام، فإن مذهبي مذهب أبي حنيفة.
الثالث: أن الذي سلم هذه الإبل ما كان يملكها، وإنما كانت في يده غصبا.
فإن قال: لأنه غير قاتل، فعليه رد الإبل.
وإن قال: لأني على مذهب أبي حنيفة قلنا: على مذهبنا إن ذلك باطل، فلا يلتفت إليه، وعند من خالفك يقول: أنت تقول ذلك باجتهاد والحاكم قد حكم باجتهاد فيقر حكمه، وصار المال لك، وقولك لا يحل لا يؤثر في حكمه.