قد حصل من كل واحد منهما ما يكون فيه التلف غالبا، فهو كما لو رمياه معا أو جرحاه معا فهلك، وقال آخرون: الضمان على الثاني وحده، لأن الأول جان والثاني موجئ فهو كما لو جرحه الأول وذبحه الثاني، فإن الضمان على الثاني وحده.
ويفارق إذا جرحاه معا لأن كل واحد منهما حصل منه سبب متلف واشتركا في الضمان، وهاهنا المتلف الثاني وحده، فإن الأول دفعه وهو صحيح وكان في سلامة ما لم يعترضه، فلهذا كان على الثاني، وهكذا إذا كان المدفوع ملك الإنسان كالعبد والبهيمة كان على هذين القولين، والثاني أقوى.
إذا جنت أم الولد كان أرش جنايتها على سيدها بلا خلاف، إلا أبا ثور فإنه قال: أرش جنايتها في ذمتها تتبع به بعد العتق، فإذا ثبت أن عليه الضمان فالذي عليه أقل الأمرين من أرش جنايتها أو قيمتها، فإن كان الأرش أقل فليس للمجني عليه أكثر من أرش جنايته، وإن كان الأرش أكثر فليس عليه إلا القيمة لأنه هو القدر الذي هو قيمتها.
وإن كانت الجناية من عبد قن فعند الفقهاء تعلق برقبة العبد دون السيد، فإن أراد أن يفديه فداه بأكثر الأمرين، إما أرش الجناية أو قيمته، وعندنا مثل ذلك أم الولد سواء، ومتى كان الأرش أكثر من قيمة أم الولد لم يلزمه أكثر من القيمة، فإذا غرم القيمة ثم جنت بعد هذا هل عليه الضمان أم لا؟ قال قوم: عليه الضمان كلما جنت ولو ألف مرة، وقال آخرون: لا يجب على السيد أكثر من قيمتها فإذا غرمها ثم جنت يشارك المجني عليه أولا فيكون قيمتها بينهما، والأول هو الذي يقتضيه مذهبنا.
ومن قال: عليه أقل الأمرين كلما جنت فلا كلام، فتنظر إلى الأرش والقيمة فيوجب على السيد أقل الأمرين، ومن قال: لا يجب أكثر من قيمة واحدة، فعلى هذا متى غرم قيمتها فلا شئ عليه بعدها، ويكون المجني عليهم مشتركين في ذلك القدر أبدا وفيه ثلاث مسائل: