من عند الله، ويفارق الذي لم يثغر، لأن العادة قد جرت بالعود، ويفارق ضوء العين لأن الضوء لا يعود بعد ذهابه، وإنما يحول دونه حائل فإذا زال الحائل أبصر بالضوء الأول لا بضوء مجدد.
فإذا تقرر ذلك لم يخل المجني عليه من أحد أمرين: إما أن يكون أخذ القصاص من الجاني أو الدية.
فإن كان أخذ الدية، فمن قال: إن عودها هبة مجددة، قال: لا يرد شيئا لأنه أخذ دية سنه، وقد وهب الله له سنا آخر، ومن قال: هذه تلك، قال: عليه رد الدية، لأنه إنما أخذ الدية بدلا عن سنه، وقد عادت، فكان عليه رد بدلها.
وإن كان المجني عليه أخذ القصاص فمن قال: هذه هبة مجددة، قال: لا شئ عليه، لأنه أخذ القصاص في سنة، وقد وهب الله له سنا، ومن قال: هذه تلك، قال: عليه رد دية سن الجاني، لأنا بينا أنه أخذ القصاص بغير عوض، ولا قصاص عليه، لأنه إنما أخذ سن الجاني قصاصا ولا قصاص عليه فيما أخذه قصاصا فيكون عليه الدية.
فإن كانت المسألة بحالها، فأخذ المجني عليه القصاص في سنة، ثم عادت سن الجاني ولم تعد سن المجني عليه، فمن قال: هذه هبة مجددة، قال: لا شئ للمجني عليه، لأنه أخذ سن الجاني قصاصا، وقد وهب الله له سنا، ومن قال: هذه تلك، فهل للمجني عليه قلعها ثانيا؟ قال قوم: له ذلك لأنه أعدم سن المجني عليه، فله قلعها أبدا حتى بعدم إنباتها، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وقال آخرون:
ليس له قلعها لجواز أن يكون هبة مجددة فلا يقلع، ويكون ذلك فيقلع، فلا نوجب القصاص بالشك.
فحصل من هذا إذا عادت ثلاثة أقوال: أحدها لا شئ للمجني عليه، والثاني له قلعها أبدا، والثالث ليس له قلعها وله الدية، فإن قلع سنه وأخذ سن الجاني قصاصا ثم عادت سن المجني عليه فعدى الجاني فقلع هذه الثانية أيضا، فما الذي يجب على الجاني؟