وروى ابن مسعود أن النبي عليه السلام قال: أول ما ينظر الله بين الناس في الدماء، وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: من أعان على قتل امرئ مسلم بشق كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه: " آيس من رحمة الله ".
وروى ابن مسعود أن النبي عليه السلام مر بقتيل فقال: من لهذا؟ فلم يذكر له أحد، فغضب وقال: والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء والأرض لأكبهم الله في النار، وهو أيضا معلوم حظره بدلالة العقل وإجماع الأمة.
فأما القصاص ووجوبه فدليله قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، وقال تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل، وقال تعالى: ولكم في القصاص حياة، وهذه أخصر كلمة وأعم فائدة، لأن معناها إذا علم القاتل أنه إذا قتل قتل كف عن القتل فلم يقتل فلا يقتل، فصار حياة للجميع، وهو أخصر من قول العرب: القتل أنفى للقتل، لأن قولهم أربعة عشر حرفا وكلمة القرآن عشرة أحرف، ثم لفظ القتل متكرر، وعذوبة اللفظ بينهما ما بين السماء والأرض.
وقال تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس... إلى قوله: والجروح قصاص، فإن قيل: هذا إخبار عن شرع من تقدم، فالجواب عنه أن ذلك وإن كان شرعا لمن تقدم فقد صار شرعا لنا بدليل الإجماع، على أنه قرئ النفس بالنفس نصبا والعين بالعين رفعا، فالنصب إخبار عن شرع من قبلنا، والرفع استئناف حكم لنا، وقرأ أبو عمرو: والجروح قصاص، والمعنى ما قلناه.
وروى أنس قال: كسرت الربيع بنت معوذ - وهي عمة أنس - ثنية جارية من الأنصار، فطلب القوم القصاص فأتوا النبي عليه السلام فأمر صلى الله عليه وآله بالقصاص، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: لا والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله، فقال رسول الله: يا أنس، كتاب الله القصاص، فرضي القوم وقبلوا الأرش، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره.