وما نفذ الحكم فيه بالاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
وإن بان للحاكم الثاني أن الأول سمع بينة عمرو فلما أتاه زيد بالبينة، قال له الحاكم: لا أسمع بينتك لأني قد سمعت بينة عمرو بها، فإذا سمعت البينة لأحد الخصمين لم أسمع من الآخر بينة، فقضى لعمرو على هذا الترتيب، نقض حكمه بها لعمرو، لأنه خالف الإجماع لأن أحدا لا يقول أنا لا أسمع البينة من كل واحد من المتداعيين.
فإن كانت بحالها فلم يعلم الثاني على أي وجه حكم الأول بها لعمرو، على الفصل الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع، قال بعضهم: ينقض حكمه لأنه يحتمل ما يوجب نقض الحكم، وقال آخرون: لا ينقض حكمه، وهو الأقوى لأنه إذا ثبت عند الثاني أن الأول حكم بها لعمرو على زيد، فالظاهر أنه على الصحة حتى يعلم غيره فلا ينقض حكمه بأمر محتمل.
ادعى زيد عبدا في يد خالد فأنكر، فأقام البينة به وقضى الحاكم له به، فقدم عمرو فأقام البينة أن العبد له فقد حصل لزيد بينة فيما سلف، وبينة لعمرو في الحال، فهل يتعارضان أو يحتاج زيد إلى إعادة بينة لتعارضها؟
فمن قال: بينة قديم الملك أولى، قال: فقد تعارضتا ولا يحتاج زيد إلى إعادة بينته لأنا إذا قلنا قديم الملك أولى، حكمنا بأن الملك له في الحال، ولم يزل كذلك منذ سنة، وقد حصلت المقابلة حين التنازع، فلهذا تعارضتا.
ومن قال: هما سواء قال: هاهنا على قولين: أحدهما تعارضتا من غير أن يعيد زيد بينته وهو الأقوى عندنا، لأن معنى قولنا سواء - تساويا في الشهادة حين التنازع -، ولم يعرض لما مضى فلا حاجة بها إلى الإعادة وقال قوم: لا يعارضها حتى يعيد الشهادة، لأن المعارضة هي المقابلة حين التنازع ولا مقابلة حين التنازع فلهذا قيل لا بد من الإعادة.
إذا ادعى زيد عبدا في يد رجل فأنكر المدعى عليه، فأقام زيد البينة أن هذا العبد كان في يديه بالأمس، أو كان ملكا له بالأمس، فهل يقضى له بهذه البينة أم لا؟