فأما حقوق الله تعالى فإنها تبنى على القولين فإذا قال: لا يقضي بعلمه في حقوق الآدميين، فبأن لا يقضي به في حقوق الله أولى، وإذا قال يقضي بعلمه في حقوق الآدميين ففي حقوق الله على قولين، ولا فصل على القولين معا بين أن يعلم ذلك بعد التولية في موضع ولايته، أو قبل التولية أو بعد التولية في غير موضع ولايته.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إن علم بذلك بعد التولية في موضع ولايته حكم، وإن علم به قبل التولية أو بعد التولية في غير موضع ولايته لم يقض به عليه، هذا في حقوق الآدميين فأما في حقوق الله تعالى فلا يقضي عندهم بعلمه بحال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق، وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، ومن حكم بعلمه فقد حكم بالعدل والحق.
وأيضا فإن الشاهدين إذا شهدا عند الحاكم حكم بقولهما بغالب ظنه لا بالقطع واليقين، وإذا حكم بعلمه حكم بالقطع واليقين، والقطع واليقين أولى من غالب الظن، ألا ترى أن العمل بالخبر المتواتر أولى من العمل بخبر الواحد بمثل ما قلناه.
وأيضا لو لم يقض بعلمه أفضي إلى إيقاف الأحكام أو فسق الحاكم لأنه إذا طلق الرجل زوجته بحضرته ثلاثا ثم جحد الطلاق كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه وهو استحلاف الزوج وسلمها إليه فسق، وإن لم يحكم له وقف الحكم، وهكذا إذا أعتق الرجل عبده بحضرته ثم جحد، وإذا غصب من رجل مالا ثم جحد يفضى إلى ما قلناه، فإذا أفضي إلى ما قلناه سقط.
مسألة 42: إذا قال الحاكم لحاكم آخر: قد حكمت بكذا أو أمضيت كذا أو أنفذت كذا، لا يقبل منه ذلك إلا أن تقوم بينة يشهدان على حكمه وبما حكم