دليلنا: إجماع الفرقة على أخبار رووها إذا كان بين أحدكم وبين غيره خصومة فلينظر إلى من روى أحاديثنا وعلم أحكامنا فليتحاكما إليه، ولأن الواحد منا إذا دعا غيره إلى ذلك فامتنع منه كان مأثوما فعلى هذا إجماعهم.
وأيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما فعليه لعنة الله، فلو لا أن حكمه بينهما جائز لازم لما تواعده باللعن.
وأيضا لو كان الحكم لا يلزم بنفس الالتزام والانقياد لما كان للترافع إليه معنى، فإن اعتبر التراضي كان ذلك موجودا قبل الترافع إليه.
مسألة 41: للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأحكام من الأموال والحدود والقصاص وغير ذلك سواء كان من حقوق الله تعالى أو من حقوق الآدميين فالحكم فيه سواء، ولا فرق بين أن يعلم ذلك بعد التولية في موضع ولايته أو قبل التولية أو قبلها بعد عزله، وفي غير موضع ولايته الباب واحد.
وللشافعي فيه قولان في حقوق الآدميين:
أحدهما: مثل ما قلناه، وبه قال أبو يوسف واختاره المزني، وعليه نص " في الأم وفي الرسالة " واختاره، وقال الربيع: مذهب الشافعي أن القاضي يقضي بعلمه، وإنما توقف فيه لفساد القضاة.
والقول الثاني: لا يقضي بعلمه بحال، وبه قال في التابعين شريح والشعبي، وفي الفقهاء مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق.
حكي عن شريح أنه ترافع إليه خصمان فادعى أحدهما على صاحبه حقا فأنكر، فقال شريح للمدعي: ألك بينه؟ قال: نعم أنت شاهدي، فقال: أنت الأمير حتى أحضر وأشهد لك؟ يعني لا أقضي لك بعلمي.
وعن مالك وابن أبي ليلى قالا: لو اعترف المدعى عليه بالحق لم يقض القاضي عليه به حتى يشهد عنده به شاهدان.