فيه بنفسه، مثل أن ولاه بلدا من البلاد كالكوفة وواسط والبصرة، قال قوم: ليس له أن يستخلف من ينوب عنه، لأنه ينظر عن إذن فوجب أن لا يستخلف فيما ينظر فيه بنفسه كالوكيل ليس له أن يوكل فيما ينظر فيه بنفسه، وقال آخرون: له ذلك لأن الإمام إذا ولاه صار ناظرا للمسلمين لا عن الإمام، ولكن على سبيل المصلحة، فيكون في هذا البلد في حكم الإمام في كل بلد، فإذا كان كالإمام وجب أن يولي من ينوب عنه في موضع نظره.
ويفارق الوكيل لأنه ينظر في حق موكله بدليل أن له عزله متى شاء، وليس كذلك في مسألتنا لأنه ينظر للمسلمين على سبيل المصلحة لا عن الإمام، بدليل أنه ليس للإمام عزله ما كان على الثقة والاجتهاد، والأول عندي أقوى، هذا إذا كانت ولايته ما يقدر أن ينظر فيه بنفسه.
فأما إن كانت ولايته قدرا لا يمكنه أن ينظر فيها بنفسه فله أن يولي من ينوب عنه في الجملة، لأنه إذا كان مما لا ينهض فيه بنفسه فقد أذن في الاستخلاف عرفا وعادة، فهو كالوكيل إذا وكل فيما لا يطيق النظر فيه بنفسه، أو فيما لا يعمل بنفسه في العرف والعادة، كالنداء على الثوب وحمل المتاع من مكان إلى مكان فإنه يستخلفه فيه، كذلك هاهنا.
فإذا ثبت أن له ذلك، فكم القدر الذي له أن يستخلف فيه؟ فعلى مذهب من أجاز الاستخلاف قال: له أن يستخلف في كل ما إليه، ومن لم يجز الاستخلاف فيما يطيقه قال: يستخلف في القدر الذي لا يقدر أن ينظر فيه بنفسه.
فإذا ثبت ذلك فكل موضع قلنا له ذلك فإذا فعل وحكم خليفته بشئ فكتب إليه لزمه العمل به لأنه كتاب قاض إلى قاض، وكل موضع قلنا ليس له أن يستخلف، فإن خالف واستخلف فإذا ترافع إليه نفسان فقضى بينهما فالحكم فيه كما لو تراضى به نفسان فحكم بينهما، وليس بحاكم فإنه جائز، وبما ذا يلزم؟ على ما مضى.
فمن قال: ينفذ حكمه، فهو كالحاكم إذا كتب بما حكم به عمل على كتابه وبعد حكمه، ومن قال: لا ينفذ حكمه، لم يلتفت إلى كتابه ولم يعمل عليه.