قلنا: إن عندنا يعتبر لفظ الشهادة لأنه شهادة، ويقبل كل في موضع تقبل فيه الشهادة.
وإذا رجع أصحاب مسائله فشهدوا عنده بشئ نظرت: فإن عدلا حكم، وإن جرحا وقف، وإن اختلفا فجرح أحدهما وعدل الآخر بعث بهما ثانيا وبعث مع كل واحد منهما غيره، فإذا عادوا إليه نظرت: فإن تمت شهادة العدالة حكم بها، وإن تمت شهادة الجرح وقف.
وإن جرحه اثنان وزكاه اثنان قدم الجرح على التعديل لأمرين: أحدهما أن من شهد بالجرح معه زيادة لأن الإنسان يظهر الطاعات ويستر المعاصي، فمن شهد بالعدالة شهد بالظاهر، ومن جرح عرف الباطن، فكان معه زيادة على الظاهر، كما قلنا في من مات فشهد اثنان أن أخاه وارثه وحده، وشهد آخران أن له أخوين كان الزائد أولى، وهكذا لو شهد اثنان أنه مات وخلف هذه الدار ورثته، وشهد آخران أنه باعها قبل وفاته، كان من شهد بالبيع قبل الموت أولى، أو شهد شاهدان أن له عليه ألفا وشهد آخران أنه قضاها كان من شهد بالقضاء أولى لأنه زائد.
فرع:
على هذا لو كانت الزيادة مع المزكي قدم على الجرح وهو إذا انتقل عن بلده إلى غيره فشهد اثنان من بلده بالجرح، واثنان من البلد الذي انتقل إليه بالعدالة كانت العدالة أولى لأنه قد يترك المعاصي ويستعمل الطاعات، فيعرف هذان ما خفي على الأولين، وكذلك لو كان البلد واحدا فسافر فزكاه أهل سفره وجرحه أهل بلده كانت التزكية أولى، وأصله أنا ننظر إلى الزيادة فنعمل عليها.
والمعنى الآخر أن من شهد بالجرح فهو ناقل، ومن شهد بالعدالة أقره على الأصل كما لو شهد اثنان بألف وآخران بالقضاء كان القضاء أولى لأنه ناقل.
فإذا ثبت أن الجرح مقدم على التزكية، فإنه لا يقبل الجرح إلا مفسرا وتقبل التزكية من غير تفسير، وقال قوم: يقبل الأمران معا مطلقا، والأول أقوى عندنا لأن الناس يختلفون فيما هو جرح وما ليس بجرح، فإن أصحاب الشافعي لا يفسقون من