واعتبرنا العدالة لأنه موضع أمانة، واعتبرنا العقل كي لا يخدع، ويكون فقيها ليعرف الألفاظ التي تتعلق الأحكام بها فلا يغيرها، لأن غير الفقيه لا يفرق بين واجب وجائز، وليكون أخف على الحاكم، لأنه يفوض ذلك إليه ولا يحتاج أن يراعيه فيما يكتبه، ويكون نزها بريئا من الطمع كي لا يرتشي فيغير، وأقل أحوال العدالة أن يكون حرا مسلما فلا يتخذ عبدا لأنه ليس بعدل، وعندنا يجوز أن يكون عبدا لأنه قد يكون عدلا، ولا يتخذ كافرا بلا خلاف لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا "، وكاتب الرجل بطانته.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي عليه السلام أنه قال: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كان له بطانتان بطانة يدعوه إلى الخير ويحضه عليه، وبطانة يدعوه إلى الشر ويحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله.
وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " وكاتب الرجل وليه وصاحب سره وعليه إجماع الصحابة أنه لا يجوز أن يكون كاتب الحاكم والإمام كافرا.
ولا ينبغي لقاض ولا وال من ولاة المسلمين أن يتخذ كاتبا ذميا ولا يضع الذمي في موضع يفضل به مسلما، وينبغي أن يعز المسلمين لئلا يكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم، والقاضي أقل الخلق في هذا عذرا، فإن كتب له عبده أو فاسق في حاجة نفسه وضيعته دون أمر المسلمين فلا بأس.
فإذا ثبتت صفة الكاتب، فالحاكم بالخيار بين أن يجلسه بين يديه ليكتب ما يكتب وهو ينظر إليه وبين أن يجلسه ناحية عنه، فإن أجلسه بين يديه فكتب وهو ينظر إليه فلا يكاد يقع فيه سهو، ولا غلط، وإن أجلسه ناحية عنه عرفه ما يجري بخطابه ليكتب ذلك.
فإن ترافع إليه نفسان فأقر أحدهما لصاحبه كتب الحاكم المقر منهما، وأشهد على المقر منهما ثم بعث بهما إلى كاتبه، وإنما قلنا يكتب المقر أو يشهد عليه لأنهما إذا قاما إلى الكاتب لا يؤمن أن يختلط المقر منهما فيقول كل واحد منهما: أنا