وجملته أنه إذا ادعى عند الحاكم دعوى على رجل فأنكر المدعى عليه الحق فأتى المدعي بشاهدين لم يخل الحاكم من ثلاثة أحوال: إما يعرف عدالتهما أو فسقهما أو لا يعرف منهما عدالة ولا فسقا.
فإن عرف عدالتهما بأن شهدا عنده قبل هذا فعرف عدالتهما بالبحث عنهما، أو عرفهما لكونهما في جواره أو نحو هذا، حكم بشهادتهما على ما يعرفه من عدالتهما ولم يبحث عن حالهما، لأنه قد عرفهما عدلين.
وإن عرفهما فاسقين في الظاهر أو فاسقين في الباطن دون الظاهر لم يحكم بشهادتهما، لأنه لا يجوز أن يحكم بشهادة فاسقين.
وإن لم يعرفهما بل جهل حالهما والجهل على ضربين:
أحدهما: ألا يعرفهما أصلا.
والثاني: أن يعرف إسلامهما دون عدالتهما، لم يحكم بشهادتهما حتى يبحث عن عدالتهما وسواء كان ذلك في حد أو قصاص أو غير ذلك من الحقوق.
وقال قوم: إن كان ذلك في قصاص أو حد كما قلنا، وإن كان غير ذلك كالأموال والنكاح والطلاق والنسب، حكم بشهادتهما بظاهر الحال، ولم يبحث عن عدالتهما بعد أن يعرف إسلامهما، ولا يكتفي بمعرفة إسلامهما بظاهر الدار كما يحكم بإسلام اللقيط، بل على تعرف السبب وهو أن أسلما بأنفسهما أو بإسلام أبويهما أو بإسلام الثاني، فإذا عرفهما مسلمين حكم إلا أن يقول المحكوم عليه:
هما فاسقان، فحينئذ لا يحكم حتى يبحث عن حال الشهود.
فإذا عرف العدالة حكم، وإذا حكم بشهادتهما بظاهر العدالة عنده نفذ حكمه، فلو ثبت أنهما كانا فاسقين حين الحكم بشهادتهما لم ينقض الحكم، و الأول أحوط عندنا، والثاني تدل عليه رواياتنا، غير أنه إذا علم أنهما كانا فاسقين حين الحكم نقض حكمه.
وأما كيفية البحث فنقدم أولا من الذي يبحث عنه ومتى يبحث عنه.