وجملته أن الشهود ضربان: من له شدة عقول، يعني وفور عقل وضبط وحزم وجودة تحصيل، ومن ليس لهم شدة عقول، يعني هو عاقل إلا أنه ليس بكامل العقل.
فإذا لم يكن لهم شدة عقول، فإذا شهد عنده منهم اثنان في غير الحدود وأربعة في الحدود، فينبغي أن يفرقهم ويسأل كل واحد على حدته، متى شهد، وكيف شهد، وأين شهد، ومن كتب أولا؟ وبالمداد كتب أو الحبر؟ وفي أي شهر وفي أي يوم؟ وفي أي وقت منه؟ وفي أي محلة؟ وفي أي دار وأي مكان من الدار في الصفة أو في البيت أو في الصحن؟ فإذا سمع ذلك منه يستدعي الآخر ويسأله كما سأل الأول، فإن اختلفا سقطت الشهادة وإن اتفقا على ذلك يعظهم.
وروي في تفرقة الشهود خبر داود النبي عليه السلام وخبر دانيال، وقد رواه الخاص والعام.
وروي أن سبعة خرجوا في سفر ففقد واحد منهم فجاءت امرأته إلى علي عليه السلام وذكرت ذلك له، فاستدعاهم وسألهم فأنكروا ففرقهم وأقام كل واحد إلى سارية، ووكل به من يحفظه ثم استدعى واحدا فسأله فأنكر فقال علي: الله أكبر، فسمعه الباقون فظنوا أنه قد اعترف، واستدعى واحدا واحدا بعد هذا فاعترفوا، فقال الأول: قد أنكرت، فقال: قد شهد هؤلاء عليك، فاعترف فقتلهم علي عليه السلام به.
فإذا ثبت أن التفرقة مستحبة، فإذا ثبتوا مع ذلك على أمر واحد ولم يختلفوا و وعظهم، فقال: شهادة الزور معصية تواعد النبي عليه السلام عليها، وأن شاهد الزور لا يزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار.
وروي أن رجلين شهدا عند علي عليه السلام على رجل أنه سرق، فقال المشهود عليه: والله ما سرقت، والله إنهما كذبا علي لتقطع يدي، فوعظهما عليه السلام واجتمع الناس فذهبا في الزحام، فطلبا فلم يوجدا، فقال علي عليه السلام:
لو صدقا لثبتا.