شرب النبيذ، ومالك يفسقه، ومن نكح المتعة في الناس من فسقه، وعندنا أن ذلك لا يوجب التفسيق بل هو مباح مطلق، فإذا كان كذلك لم يقبل الجرح إلا مفسرا لئلا يجرحه بما هو جرح عنده، وليس بجرح عند القاضي.
ويفارق الجرح التزكية لأن التزكية إقرار صفة على الأصل، فلهذا قبلت من غير تفسير، والجرح إخبار عما حدث من عيوبه وتجدد من معاصيه فبان الفصل بينهما.
حكي أن بعض أهل العراق كان يتبع على إسماعيل بن إسحاق القاضي حكوماته، فشهد عنده يوما مع آخر، فقال القاضي للمشهود له: زدني في شهودك، فقال العراقي: بدلا عمن؟ قال: منك، قال: ولم؟ قال: لأنك تشرب المسكر، قال: فأنا أعتقد إباحته واعتقادي إباحته أعظم من شربي له، ثم قال: قبلت شهادتي أمس وأنا أشربه وتردها اليوم؟ فقبل شهادته.
شرب النبيذ واعتقاد إباحته عندنا فسق يوجب رد الشهادة، وإنما حكينا الحكاية لنبين الفرض.
ولا يقبل صاحب المسألة جرح الشاهد إلا بالسماع أو المشاهدة، وذلك أن شهود القاضي بالجرح والتعديل أصحاب مسائله، يبعث كل واحد منهم ليعرف صفة الشاهد، فإذا عرفها على صفة يسوع له الشهادة بها حينئذ يرجع إلى الحاكم ويشهد به عنده، فإذا شهد عنده بذلك سمع شهادته وعمل عليها، ولا يسأله من أين تشهد بما شهدت به؟ كما يشهد عنده بالطلاق والعتق، فيعمل على ما شهد به عنده، فلا يسأله من أين علمت هذا؟
فالمشاهدة أن يشاهده على ما يفسق به من غصب وزنا ولواط وقتل ونحو ذلك.
والسماع على ضربين: أحدهما: بتواتر الخبر عنده بذلك، والثاني: يشيع ذلك في الناس فيصير عالما بذلك.
ويسوع له أن يؤدي الشهادة مطلقا كما يستفيض في الناس النسب والموت والملك المطلق فيصير شاهدا به.