كثيرا.
فأما إن كان قليلا نظر إلى ما حكم به كل يوم فجعله في قمطر بين يديه، وختم عليه بخاتمه ورفعه، وإذا كان من الغد أحضره وجعل فيه ما حصل عنده، فإذا اجتمع قضاء أسبوع أو قضاء شهر جمعه وكتب عليه أسبوع كذا أو شهر كذا، على ما فصلناه، وإنما قلنا: يفعل هذا، لأنه متى احتاج إلى إخراج شئ لم يتعب فيه، وأخرجه أسرع ما يكون، ولو لم يفعل هذا التفصيل اختلطت الوثائق، وتعذر إخراجها، فلهذا قلنا: يحصلها هذا التحصيل.
قد ذكرنا أن أحدا لا ينعقد له القضاء حتى يجمع فيه ثلاثة أوصاف: أن يكون ثقة من أهل العلم، وأن يكون كامل الأحكام والخلقة، فإذا ثبت هذا فإن كان يحسن الكتابة انعقد له القضاء وإن كان لا يحسن الكتابة:
قال قوم: انعقد له القضاء، لأنه ثقة من أهل الاجتهاد، وكونه لا يكتب لا يقدح فيه، لأن النبي عليه السلام إمام الأئمة ما كان يكتب، ولم يؤثر ذلك فيه.
وقال آخرون: الكتابة شرط لأنه يحتاج أن يكتب إلى غيره، وأن يكتب غيره إليه، فإذا كتب بحضرته شاهد ما يكتبه فلا يخفى عليه، ولا يمكنه أن يحرف ما يكتبه، فإذا لم يعرف الكتابة، فأملى عليه ربما كتب ما لا يمليه عليه، ويقرأ ما لا يكتب، فلهذا كانت الكتابة شرطا فهو كالأعمى.
ويفارق النبي عليه السلام من وجهين:
أحدهما: أنه كان مخصوصا بصحابة لا يخونونه وغيره بخلافه.
والثاني: أن الأمية في النبي عليه السلام فضيلة وفي غيره نقيصة لأن النبي عليه السلام كان يخبر عن الله أخبار الأنبياء، فإذا كان أميا كان أبلغ لمعجزته، وأدل على نبوته، لأنه يخبر عن الله تعالى، قال الله: " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " يعني أن المبطل يرتاب لو كان يكتب فلهذا كان