علمنا أن الصدقة بر وقربة وطاعة لله تعالى، فهي داخلة تحت قوله: وافعلوا الخير، وأمره بالطاعة مما لا يحصى من الكتاب، وظاهر الأمر يقتضي الإيجاب في الشريعة، فينبغي أن تكون الصدقة واجبة. ويثبت له حكم الندب بدليل قاد إلى ذلك، ولا دليل ههنا يوجب العدول عن الظواهر. فأنعم النظر كيف ألزم القوم الذين خالفوه من طريقهم.
فصل:
وقوله: حتى يطهرن، بالتخفيف معناه حتى ينقطع الدم عنهن، وبالتشديد معناه حتى يغتسلن، وقال مجاهد وطاووس معنى " يطهرن " بتشديد يتوضأن، وهو مذهبنا. وأصله يتطهرن فأدغم التاء في الطاء.
وعندنا يجوز وطء المرأة إذا انقطع دمها وطهرت وإن لم تغتسل إذا غسلت فرجها.
وفيه خلاف، فمن قال: لا يجوز وطؤها إلا بعد الطهر من الدم والاغتسال. تعلق بالقراءة بالتشديد، وأنها تفيد الاغتسال. ومن جوز وطؤها بعد الطهر من الدم قبل الاغتسال تعلق بالقراءة بالتخفيف، وهو الصحيح، لأنه يمكن في قراءة التشديد أن يحمل على أن المراد به يتوضأن على ما حكيناه عن طاووس وغيره، ومن عمل بالقراءة بالتشديد يحتاج أن يحذف القراءة بالتخفيف أو يقدر محذوفا، بأن يقول: تقديره حتى يطهرن ويتطهرن.
وعلى مذهبنا لا يحتاج إلى ذلك، لأنا نعمل بالقراءتين، فإنا نقول: يجوز وطء الرجل زوجته إذا طهرت من دم الحيض وإن لم تغتسل متى مست به الحاجة. والمستحب أن لا يقربها إلا بعد التطهير والاغتسال، والقراءتان إذا صحتا كانتا كآيتين يجب العمل بموجبهما إذا لم يكن نسخ. ومما يدل على استباحة وطئها إذا طهرت وإن لم تغتسل، قوله:
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم، وقوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم، قال المفسرون: إن اليهود قالوا من أتى زوجته من خلفها في قبلها يكون الولد أحول، فكذبهم الله وأباح ما حضروه، فعموم هذه الظواهر يتناول موضع الخلاف، ويقطع كل اعتراض عليه قوله: ولا تقربوهن حتى يطهرن، إذ لا شبهة في أن المراد بذلك انقطاع الدم دون الاغتسال، لأن " طهرت المرأة " في الشرع بخلاف " طمثت " وإن كان في الأصل هو ضد النجاسة، يقال