قال في المبسوط: " إذا خرج حاجا إلى مكة وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى أن يقيم بها عشرا قصر في الطريق، فإذا وصل إليها أتم. فإن خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه، لا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلى مكة، كان له القصر لأنه نقض مقامه لسفر بينه وبين بلده يقصر في مثله. وإن كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر. " (1) أقول: لا يخفى أن حكمه (قده) بالقصر في سفر عرفات ليس لكونه بنفسه سفرا ملفقا من الذهاب والإياب، بل لكونه سفرا بينه وبين بلده، كما صرح به. فيكون السفر إلى عرفات عنده (قده) من أفراد ما نحن فيه. وأنت ترى أنه (قده) لم يعتن في المسألة بصحيحة زرارة السابقة الحاكمة بكون المقيم بمكة بمنزلة أهلها مع كونها صحيحة ولم يعتمد عليها غيره من الأصحاب أيضا، فتصير معرضا عنها، وتسقط بذلك عن الحجية.
إذا عرفت هذا فنقول: يجب البحث عن المسألة في مقامين:
1 - في بيان حكم الذهاب والمقصد، وأن الثابت فيهما هو القصر كما عليه الشيخ والمعظم، أو الإتمام كما عليه الشهيد الأول ومتابعوه.
2 - في بيان حكم العود، والإشارة إلى اختلافات المتأخرين فيه بعد البناء على ثبوت الإتمام في الذهاب والمقصد.
أما المقام الأول فملخص الكلام فيه أن من خرج من محل إقامته عازما على العود إليه بلا إقامة جديدة، صار بخروجه منه مسافرا عازما على المسافة الشرعية بلا قاطع. إذا المفروض أنه قاصد للرجوع إلى بلده مثلا بلا إقامة جديدة في الأثناء، والإقامة السابقة قد ارتفعت حقيقة وصار محلها بالنسبة إليه مساويا لغيره من البلدان. وعلى هذا فمقتضى القاعدة ثبوت القصر له بمجرد خروجه إلى أن يحصل له إحدى القواطع. هذا.