اللهم إلا أن يفرق بين العزم على إقامة العشرة مع تحققها خارجا وبين ما إذا عزم عليها وصلى رباعية مثلا ثم بداله، فيقال إن الأول قاطع لموضوع السفر دون الثاني، إذ ما ذكرناه سابقا في بيان كون الإقامة قاطعة لموضوع السفر هو أن حقيقة السفر عبارة عن الضرب في الأرض، غاية الأمر أن الوقوفات المتخللة اليسيرة أيضا تعد من أجزاء السفر عرفا، ولكن الإقامة إذا طالت مدتها وخرجت من كونها فانية في جنب المدة المصروفة في السير لا يساعد العرف على عدها من أجزاء السفر، لأجل هذا الارتكاز تشتت آراء أهل الرأي في تحديد الإقامة الموجبة لانقطاع السفر وتمييزها مما يعد جزء منه، فاختار كل منهم مذهبا، وأصحابنا الإمامية بعد كون هذا المعنى مركوزا في أذهانهم وأنسهم بفتاوى أهل الرأي سألوا الأئمة عليهم السلام عن تحديدها، فأجابوهم بالتفصيل بين صورة العزم وغيرها، وقد تبادر إلى أذهان السائلين من تلك الأجوبة انقطاع السفر بهما موضوعا، حيث إن أصل قاطعية الإقامة للسفر كانت مفروغا عنها عندهم وإنما كان نظرهم في الأسئلة إلى استفسار مقدارها. وكيف كان فالتحديد في الأخبار وقع بالعشرة وبالثلاثين، فلا يجري هذا البيان في مثل ما إذا عزم على إقامة العشرة ثم بداله، فإن العرف لا يستبعد كون هذا المقدار من الإقامة جزء من السفر بل يساعد على عدها جزء منه، فلا ينسبق من صحيحة أبي ولاد الحاكمة بترتب آثار الإقامة التامة عليها أزيد من القاطعية الحكمية، فلا يكون العود إلى التقصير متوقفا على إنشاء سفر جديد. (1) وبالجملة مقتضى ظواهر أخبار العزم على الإقامة كون الحكم بالإتمام دائرا مداره حدوثا وبقاء، خرج من ذلك صورة الإتيان برباعية تامة، كما يقتضيه صحيحة أبي ولاد، ولا دليل على إلحاق غيرها بها، فيقتصر عليها، فتدبر.
(٢٥٦)