وكيف كان فالظاهر تسالم الفقهاء طرا من عصر الشيخ (قده) إلى عصر الشهيد الثاني (قده) على ثبوت القصر في العود ومحل الإقامة مطلقا، وإنما وقع النزاع بينهم في حكم الذهاب والمقصد، فحكم الشيخ ومتابعوه بضمهما إلى العود وثبوت القصر فيهما أيضا، والشهيد الأول ومتابعوه بعدم ضمهما إليه. وبالجملة كانت المسألة ذات قولين فقط إلى عصر الشهيد الثاني، ومن عصره حدث قولان آخران يكون كل منهما تفصيلا بين صور الإياب بعد اختيار الإتمام في الذهاب والمقصد: أحدهما ما اختاره الشهيد، وثانيهما ما اختاره كثير من متأخري المتأخرين، وسيجئ تفصيلهما. هذا.
ولكن يجب أن يعلم أن المسألة مع هذا التسالم المشار إليه ليست من المسائل الأصلية المتلقاة عن الأئمة (عليهم السلام) يدا بيد؛ بل هي من المسائل التفريعية المستنبطة منها بإعمال الاجتهاد والنظر، ولذا لم تذكر في الكتب المعدة لنقل خصوص المسائل الأصلية المأثورة، كالمقنعة والمقنع والهداية والنهاية وأمثالها؛ وأول من تعرض لها هو الشيخ (قده) في مبسوطه الذي صرح بكونه موضوعا لذكر المسائل التفريعية استنباطها من الأصول المتلقاة رغما لأنوف المخالفين وإعلاما لهم بقدرة الخاصة على استخراج الفروع من دون احتياج إلى العمل بالقياس والاستحسان نظائرهما. وقد مر منا مرارا أن الإجماع - فضلا عن الشهرة - ليس عندنا حجة في المسائل التفريعية المستخرجة بإعمال النظر، وإنما الذي نعتمد عليه هو الإجماع بل الشهرة المتحققان في المسائل الأصلية المودعة في الكتب المعدة لنقل خصوص المسائل المأثورة المتلقاة عن الأئمة (عليهم السلام) يدا بيد. (1) وعلى هذا فانتظار إتمام مسألتنا هذه بالإجماع أو الشهرة في غير محله. ولو فرض تحقق الاتفاق أيضا في المسألة على ثبوت القصر في العود مطلقا لم يكن ذلك من الإجماع المصطلح عليه الكاشف عن قول المعصوم (عليه السلام).
فاللازم إتمام المسألة على طبق ما يقتضيه القواعد. ولنذكر أولا كلام الشيخ في المبسوط ثم نعقبه ببيان ما هو الحق في المقام: